شهدت قاعة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) صباح الأربعاء 8 أكتوبر 2025 واحدة من أكثر الجلسات السياسية توترًا منذ بداية الأزمة التي تهز الإليزيه، فقد قرر مكتب الجمعية رفض النظر في مشروع قرار عزل الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قدمه حزب فرنسا الثائرة، ووقع عليه 104 نواب من تحالف الجبهة الشعبية الجديدة.
ووفقًا لمصادر برلمانية، فإن التصويت الذي جرى في الساعة العاشرة صباحًا انتهى بنتيجة خمس أصوات مؤيدة مقابل عشرة معارضة وخمس امتناعات، ما جعل الاقتراح “غير مقبول شكلاً”، بحسب توصيف المكتب.
ويُذكر أن تشكيل المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية جرى تجديده الأسبوع الماضي، في خطوة أفقدت اليسار أغلبيته داخل هذه الهيئة، ومهّدت لنتيجة اليوم المتوقعة.
ردود الفعل السياسية لم تتأخر، وجاءت حادة، فقد قالت ماتيلد بانو، رئيسة كتلة حزب فرنسا الثائرة داخل الجمعية: “إنه تكرار للسيناريو ذاته… التجمع الوطني ينقذ ماكرون مرة أخرى”.
أما النائب مانويل بومبار فكتب على منصة “إكس”: “اليسار صوّت مع العزل، والماكرونيون ضده، بينما امتنع ممثلو التجمع الوطني عن التصويت، وبهذا أنقذت مارين لوبن الرئيس مجددًا.”
المشروع الذي أثار الجدل كان قد دعا إليه زعيم فرنسا الثائرة جان-لوك ميلانشون عبر حسابه على “إكس” يوم الاثنين الماضي، مطالبًا بـ”البتّ الفوري في اقتراح العزل المقدم من 104 نواب”، وذلك عقب استقالة رئيس الحكومة المعين سيباستيان ليكورنو، التي زادت المشهد السياسي تعقيدًا.
وبموجب المادة 68 من الدستور الفرنسي، يمكن عزل رئيس الجمهورية فقط في حال “ارتكابه إخلالًا جسيمًا بواجباته يتعارض بوضوح مع ممارسته لمهامه”.
غير أن هذه الآلية الدستورية معقدة للغاية وتتطلب تصويت ثلثي أعضاء المحكمة العليا البرلمانية المكونة من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ معًا، وهو شرط يكاد يكون مستحيلاً في ظل الانقسام السياسي الحالي.
الدستور الفرنسي ينص كذلك على أن أي قرار تصدره المحكمة العليا يكون نافذًا فورًا، ويتولى رئيس مجلس الشيوخ الرئاسة مؤقتًا إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية جديدة خلال فترة تتراوح بين عشرين وخمسة وثلاثين يومًا.
لكن في ظل الجمهورية الخامسة، لم يتم عزل أي رئيس على الإطلاق، ما يجعل هذا المسار أقرب إلى السلاح الرمزي منه إلى الأداة السياسية الفعلية.
المحللون الدستوريون وصفوا الإجراء بأنه “ثقيل ومعقد”، وأشار الخبير القانوني جوليان بونيه في تصريح ل”فرنسا بالعربي” إلى أن احتمالات نجاح أي محاولة لعزل رئيس فرنسي تبقى “ضعيفة للغاية”، رغم تصاعد الغضب الشعبي والسياسي.
في الكواليس، يرى مراقبون أن فشل اليسار في تمرير اقتراح العزل قد يرفع منسوب التوتر بين الأحزاب المعارضة ويزيد من الضغط الشعبي على الرئيس ماكرون، الذي يواجه أصعب مرحلة من ولايته الثانية، في ظل دعوات متزايدة لحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل نهاية نوفمبر المقبل.
بين طموحات اليسار، ودهاء لوبن، وغموض حسابات الإليزيه، تبدو فرنسا على موعد مع فصول جديدة من أزمة سياسية تتفاقم كل يوم، بينما يقف الرئيس ماكرون على خيط رفيع بين البقاء والانهيار السياسي.
