أعلن مكتب النيابة في باريس، عن فتح تحقيق رسمي جديد بشأن ما وُصف بأنه “إشارات مثيرة للقلق” تتعلق بمجوهرات مملوكة لوزيرة الثقافة في حكومة تصريف الأعمال رشيدة داتي، لم تُدرج – بحسب الادعاءات – في تصريح ذمتها المالية المقدم إلى الهيئة العليا للشفافية في الحياة العامة .
القضية انفجرت بعد تحقيق نشرته صحيفة ليبراسيون الفرنسية في أبريل الماضي، أكدت فيه أن داتي، التي سبق وأن ترشحت لرئاسة بلدية باريس، أغفلت التصريح بما يقرب من 19 قطعة مجوهرات فاخرة، قدرت قيمتها الإجمالية بحوالي 420 ألف يورو، وهي بحوزتها منذ عام 2017. داتي، من جانبها، سارعت في مايو الماضي إلى نفي أي مخالفة، مؤكدة أنها “ليس لديها ما تُسوي وضعه” في ملف التصريح بالذمة المالية.
“كنز صغير” من المجوهرات الفاخرة
التحقيق الصحافي أشار إلى أن داتي، التي صرحت في يونيو 2024 بامتلاكها ثروة تتجاوز 5.6 ملايين يورو، لم تُدرج ضمن ملفها ما وصفه التقرير بـ”كنز صغير” من الساعات والمجوهرات الفاخرة. ومن بين هذه القطع:
-
ساعة شوبار تقدر قيمتها بـ 32 ألف يورو،
-
سوار كارتييه بحوالي 20 ألف يورو،
-
خاتم من دار بوتشيلاّتي الفاخرة يقدر بـ 11,600 يورو.
وبحسب القوانين المنظمة لـ ، فإن جميع الممتلكات الفردية التي تتجاوز قيمتها 10 آلاف يورو يجب أن تُصرّح بشكل إلزامي، وهو ما يثير شكوكا إضافية حول مدى احترام داتي لقواعد الشفافية. وذهبت “ليبراسيون” أبعد من ذلك، مؤكدة أن مجموع مجوهرات داتي، بما فيها القطع الأقل من هذا السقف، قد يتجاوز نصف مليون يورو.
هدايا شخصية وعلاقات نافذة
التحقيق أشار أيضًا إلى أن بعض هذه المجوهرات جاءت كهدايا شخصية، بينها قطع قُدمت من هنري بروغليو، الرئيس السابق لشركة الكهرباء الفرنسية (EDF). هذه النقطة تحديدًا أثارت نقاشًا واسعًا حول تضارب المصالح وإمكانية ارتباط هذه الهدايا بمسارات النفوذ السياسي.
دفاع داتي واتهامات سابقة
فريق الدفاع عن رشيدة داتي شدد، عبر تصريحات لـ”ليبراسيون”، على أن موكلتهم “ملتزمة تمامًا بالقوانين” وأن ما يُنشر حول مجوهراتها يدخل في إطار “الحياة الخاصة” أكثر مما هو شأن عام. لكن الملف يزداد ثقلاً في ظل سجل سياسي وقضائي شائك، إذ تواجه داتي محاكمة في نوفمبر المقبل بتهم الفساد وتجارة النفوذ، إلى جانب الرئيس التنفيذي السابق لشركة رينو-نيسان كارلوس غصن.
القضاة يحققون في ما يقرب من 900 ألف يورو حصلت عليها داتي كأتعاب محاماة ما بين 2010 و2012، بينما كانت في الوقت ذاته نائبة في البرلمان الأوروبي. الأموال دُفعت من إحدى الشركات التابعة لمجموعة رينو، وهو ما دفع النيابة الوطنية المالية إلى توجيه اتهامات مباشرة لها.
فضيحة جديدة في قلب الساحة السياسية
تأتي هذه التطورات في وقت حساس تشهد فيه فرنسا اضطرابات سياسية واقتصادية عميقة. فقد اعتُبرت استقالة داتي من منصبها الوزاري مؤخرًا خطوة غير مفاجئة، لكنها الآن تأخذ بعدًا أكثر دراماتيكية مع فتح هذا التحقيق. القضية تعيد إلى الأذهان سلسلة من الفضائح السياسية التي أطاحت بمسؤولين فرنسيين خلال العقد الأخير بسبب إخلالهم بقواعد الشفافية المالية.
التحقيق الجاري قد يشكل ضربة قاسية لمسيرة داتي السياسية، التي لطالما قدمت نفسها كوجه بارز في معركة اليمين الفرنسي على السلطة.
لكن السؤال الأهم الآن هو: هل ستبقى هذه القضية في حدود “إخفاق إداري” كما تدّعي داتي، أم أنها ستتحول إلى فضيحة مدوية تُطيح بآخر أوراقها السياسية قبل استحقاقات 2026؟