في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة المغربية نورة الزكراوي أبواب محلها كل صباح، لتستقبل عشرات الزبائن الذين يأتون من مختلف المدن الفرنسية بحثًا عن نكهة الحلزون المغربي التقليدي.
هذه الوصفة التي تنتقل جيلاً بعد جيل، والتي تستخدم الأعشاب والتوابل المغربية الأصيلة، أصبحت سر نجاح نورة، وجعلت محلها مركزًا يجذب المغاربة والجزائريين والتونسيين، وأحيانًا الفرنسيين الراغبين في تجربة الطعم الفريد.
صحيفة فرنسا بالعربي زارت نورة في محلها في مدينة بوندي قرب باريس، وعاينت الطريقة الدقيقة التي تعد بها الحلزون، بدءًا من تنظيفه وتربيته وصولًا إلى طهيه باستخدام وصفة مغربية تقليدية، تم تطويرها على مر السنوات.
وتوضح نورة أن سر النكهة يكمن في الأعشاب الطازجة والتوابل المغربية التي تمنح الحلزون طعماً لا يمكن تكراره إلا بلمسة مغربية أصيلة.
تقول بابتسامة فخر: «أريد لكل زبون أن يشعر وكأنه في المغرب، يلتقي بذكرياته ويرتبط بأرضه».
نجاح نورة لم يأتِ صدفة، فهي تستورد الحلزون الذي تبيعه من مدينة بركان شمال شرق المغرب و مدن مغربية أخرى، حيث يُربى بعناية فائقة لضمان الجودة.
بعد وصوله إلى فرنسا، تبدأ نورة عملية التحضير الدقيقة، التي تجمع بين الطهي التقليدي المغربي وروح الابتكار، لتقدم حلزونًا متقنًا يرضي كل الأذواق.
وقد أدى التزامها بالجودة إلى جذب عدد كبير من الزبائن الدائمين، الذين يأتون ليس فقط من ضواحي باريس، بل من مدن فرنسية بعيدة، ويطلبون أحيانًا توصيل الطلبات إلى منازلهم.
المحل في بوندي أصبح نقطة التقاء للجاليات العربية في فرنسا، حيث يلتقي المغاربة والجزائريون والتونسيون لتبادل الأخبار والقصص والذكريات عن مدنهم الأصلية، فيما أبدى بعض الفرنسيين إعجابهم بالنكهات المغربية التقليدية، وأصبحوا زبائن دائمين أيضًا.
وتقول نورة: «الحلزون ليس مجرد طعام، إنه جسر يربطنا بذكرياتنا، ويقربنا من الجذور، ويتيح للآخرين التعرف على الثقافة المغربية بشكل مباشر».
لا يقتصر اهتمام نورة على الطعم فقط، بل تُبرز الفوائد الصحية للحلزون وصلصته الممزوجة بالأعشاب المغربية التقليدية. الحلزون غني بالبروتينات والحديد والزنك والمغنيسيوم، ويُعتبر غذاءً مفيدًا لصحة القلب والعظام والمناعة.
أما صلصة الحلزون بالأعشاب المغربية، فهي تحتوي على مكونات طبيّة مثل الثوم، القزبر، الكزبرة، الزعتر والمستكة، التي تُسخن الجسم وتُقوّي المناعة، مما يجعلها وجبة مثالية لمواجهة برد فرنسا القارس، حيث درجات الحرارة المنخفضة والتقلبات الجوية تُضعف الجسم وتزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض الموسمية.
ويضيف الزوار أن تجربة شراء الحلزون من محل نورة تتجاوز كونها مجرد وجبة، فهي تجربة ثقافية كاملة: الحديث عن الأعشاب المغربية، التوابل المستخدمة، وأساليب الطهي التقليدية، كلها تجعل من زيارة المحل رحلة قصيرة إلى المغرب دون مغادرة فرنسا.
وتشير بعض السيدات من الجاليات المغاربية إلى أن المحل أصبح بمثابة ملاذ للأصالة والدفء العائلي في المهجر.
من الناحية الاقتصادية، تمكنت نورة من تحويل شغفها بالطهي التقليدي إلى مشروع ناجح، يجمع بين الطعم الأصيل والفرص التجارية المربحة.
ويعكس هذا المشروع قدرة رواد الأعمال المغاربة على الحفاظ على التراث الغذائي والثقافي في الخارج، وتحويله إلى مصدر دخل مستدام، مع توسيع شبكة الزبائن لتشمل الجاليات العربية والفرنسيين على حد سواء.
وتشير نورة إلى أن الجانب الأصعب في عملها هو الحفاظ على جودة الحلزون أثناء النقل، خصوصًا عندما يتم إرسال الطلبات إلى المدن البعيدة في فرنسا، لكنها تعتبر هذا التحدي جزءًا من التزامها تجاه زبائنها، وتضيف: «أريد أن يصل الحلزون إلى أي زبون بنفس الطعم والجودة كما لو أنه حضر مباشرة في المحل».
ويؤكد الخبراء في مجال الأعمال الغذائية أن مشروع نورة الزكراوي نموذج يحتذى به في الابتكار الثقافي والاقتصادي، حيث يجمع بين احترام التراث والقدرة على توسيع النشاط التجاري في بيئة جديدة، وهو ما يعزز صورة المغرب من خلال نكهات تقليدية تصل إلى كل بيت في المهجر.
في نهاية المطاف، يبقى محل نورة الزكراوي في بوندي أكثر من مجرد متجر لبيع الحلزون، إنه مساحة اجتماعية وثقافية وصحية، جسر يربط المغاربة والجزائريين والتونسيين والفرنسيين الباحثين عن أصالة الطعم بالتراث المغربي الأصيل، ويثبت أن الطعام التقليدي يمكن أن يكون قوة لثقافة وطنية حية تنتقل إلى المهجر، وتستقطب كل من يبحث عن أصالة الطعم، والدفء العاطفي، والذكريات المترسخة في الذاكرة، مع فوائد صحية تجعل الجسم أقوى لمواجهة قسوة الشتاء الأوروبي.