أطلق الجامع الكبير في باريس نداءً عاجلًا، محذرا من تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا، في مؤشّر يثير القلق على مستويات عدة ويضع المجتمع الفرنسي أمام اختبار جديد لقدرة الدولة على حماية مواطنيها من خطاب الكراهية والتمييز.
و قال شمس الدين حفيظ، رئيس الجامع الكبير، أن مكافحة الكراهية ضد المسلمين لم تعد مجرد قضية مجتمعية أو مطلبًا فئويًا، بل أصبحت مسألة أمن وطني وركيزة أساسية للتماسك الجمهوري.
وقال حفيظ في بيان رسمي إن مكافحة الإسلاموفوبيا ليست مطلبًا مجتمعيًا فقط، بل هي مسألة تتعلق بأمن الدولة واستقرارها، مؤكدًا أن الدولة مطالبة بالتحرك الفوري للحد من هذه الظاهرة قبل أن تتفاقم إلى أزمات اجتماعية وأمنية أكبر.
وأظهرت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة إيفوب لصبر الآراء لصالح الجامع الكبير، أن 82٪ من المسلمين في فرنسا يرون أن الكراهية ضدهم باتت اليوم ظاهرة شائعة وواسعة الانتشار.
أما الأرقام المتعلقة بالتمييز المباشر، فهي صادمة، فقد كشف 66٪ من المسلمين أنهم تعرضوا لسلوكيات عنصرية خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي ثلاثة أضعاف نسبة الفرنسيين الآخرين الذين واجهوا العنصرية (20٪ فقط).
ولم يقتصر التمييز على الاعتداءات اللفظية أو المواقف الاجتماعية، بل شمل مجالات حياتية أساسية مثل العمل والسكن. فقد أشار نصف المستطلعين تقريبًا إلى أنهم واجهوا تمييزًا بسبب دينهم أثناء البحث عن وظيفة (51٪ مقابل 7٪ لأتباع الديانات الأخرى)، و46٪ صادفوا صعوبات عند البحث عن سكن (مقابل 6٪ فقط).
في هذا السياق، دعا حفيظ إلى فرض إجراءات صارمة للرقابة والعقوبات في مجالات العمل والسكن والخدمات العامة، مع تعزيز برامج التدريب للموظفين العموميين ومسؤولي الشركات، لضمان التعامل العادل مع المواطنين دون تمييز ديني أو عرقي.
وأكد أن التدخلات الأجنبية التي تستغل الكراهية ضد المسلمين تهدد استقرار فرنسا، موضحًا أن هذه القضية لم تعد اجتماعية فقط، بل استراتيجية على مستوى الدولة.
وتأتي هذه التحذيرات على خلفية أحداث استفزازية مؤلمة، أبرزها اكتشاف تسع رؤوس خنازير أمام مساجد في إيل-دو-فرانس بتاريخ 9 سبتمبر، وضعها مجهولون غادروا البلاد مباشرة، ما يعكس تصاعد العداء المباشر للمسلمين وارتفاع مستوى الاستفزازات التي قد تتحول إلى مواجهات حقيقية إذا لم تتدخل السلطات بصرامة.
الاستطلاع شمل عينة من 1,005 مسلمين مقيمين في فرنسا تتراوح أعمارهم بين 15 عامًا وما فوق، وتم إجراء المقابلات الهاتفية بين 8 أغسطس و2 سبتمبر 2025، بالإضافة إلى استبيان ذاتي شمل 1,002 شخص آخرين بين 21 و29 نوفمبر 2023. النتائج تشير إلى أن المسلموفوبيا لم تعد ظاهرة هامشية، بل أصبحت قضية مؤثرة على الأمن الاجتماعي وحقوق الإنسان في فرنسا.
ويؤكد خبراء المجتمع الفرنسي أن هذه النتائج تضع السلطات أمام مسؤولية مزدوجة: حماية المواطنين من التمييز والكراهية، وقطع الطريق على أي محاولة استغلال هذه الظاهرة من قبل جهات خارجية تسعى لزعزعة استقرار الدولة. وفي الوقت نفسه، شدد الجامع الكبير على أن التضامن المجتمعي، والتوعية، ومراقبة الخطاب العام هي أدوات رئيسية لمواجهة هذه الظاهرة قبل أن تتحول إلى أزمة أكبر تهدد نسيج المجتمع الفرنسي بأكمله.