اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العاصمة المصرية القاهرة ليبعث منها برسالة قوية إلى الداخل الفرنسي، داعيًا جميع القوى السياسية إلى وقف المزايدات والعمل من أجل استقرار الجمهورية.
وجاءت تصريحات ماكرون خلال وجوده في القاهرة للمشاركة في مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بحضور عدد من القادة العرب والدوليين، في خطوة وُصفت بأنها إنجاز دبلوماسي إقليمي مهم.
وقال ماكرون في تصريحاته التي لاقت صدى واسعًا في فرنسا:
“من واجب الجميع العمل من أجل الاستقرار، لا المراهنة على الفوضى. أنا هنا بصفتي ضامنًا لمؤسساتنا، وقد مارست هذا الدور الأسبوع الماضي. وككل الفرنسيين، شاهدت كثيرًا من التعليقات التي لا تتناسب مع حجم الأحداث، وأدعو الجميع إلى ضبط النفس والعمل بانضباط واحترام.”
⚖️ خطاب تهدئة في مواجهة الانقسام
تصريحات ماكرون جاءت بينما تواجه حكومته الجديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو موجة انتقادات واسعة، وخصوصًا من قبل أحزاب المعارضة. فقد وصف جان-لوك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، الحكومة الجديدة بأنها “هشة ومفصّلة على مقاس الإليزيه”، فيما اعتبر جوردان بارديلا، رئيس حزب “التجمع الوطني”، أن “ماكرون يعيش في فقاعة سياسية معزولة عن هموم الفرنسيين”.
ويشير محللون تحدثوا لصحيفة فرنسا بالعربي إلى أن خطاب ماكرون في القاهرة لم يكن موجهًا إلى الخارج بقدر ما كان رسالة داخلية تهدف إلى تهدئة المشهد السياسي.
ويقول الباحث السياسي جان-باتيست لوران للصحيفة:
“ماكرون أراد أن يظهر من القاهرة بمظهر رجل الدولة الذي يتحكم في زمام الأمور، في وقت تبدو فيه باريس غارقة في صراعات داخلية. لقد ذكّر الفرنسيين بأن دور الرئيس ليس الانخراط في الجدل، بل ضمان استمرارية المؤسسات.”
🌍 من ملف الشرق الأوسط إلى أزمة باريس
اختيار القاهرة لم يكن صدفة. فبينما تشهد المنطقة تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف الحرب بين إسرائيل وحماس، أراد ماكرون أن يثبت أن فرنسا لا تزال لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية، رغم ما تعيشه داخليًا من تجاذبات سياسية.
ويضيف المحلل في فرنسا بالعربي توما كارفالهو أن “ماكرون حاول من خلال ظهوره في القاهرة أن يرسل رسالة مزدوجة: فرنسا باقية في قلب الدبلوماسية العالمية، وفي الوقت نفسه قادرة على تجاوز خلافاتها الداخلية.”
🗳️ حكومة لوكورنو الثانية على المحك
تستمر التفاعلات في باريس حول التشكيلة الحكومية الجديدة، التي يرى البعض فيها “فرصة أخيرة لإعادة الثقة بين السلطة والمواطنين”، فيما يعتبرها آخرون “تكرارًا لنهج ماكرون المركزي في إدارة الدولة”.
في المقاهي والجامعات والشوارع الباريسية، تتباين الآراء بين من يدعو إلى منح الحكومة فرصة، ومن يعتقد أن “الوقت حان لتغيير جذري في الطريقة التي تُدار بها البلاد”.
🔚 ماكرون بين الخارج المشتعل والداخل الغاضب
مع ختام زيارته لمصر وعودته المرتقبة إلى باريس، يدرك ماكرون أن معركته الحقيقية لا تدور في الشرق الأوسط، بل في الداخل الفرنسي، حيث الثقة الشعبية تتآكل والضغوط تتزايد.
فبينما يسعى لتثبيت الهدنة في غزة، يبدو أن الرئيس الفرنسي يواجه مهمة أكثر صعوبة في إرساء هدنة سياسية داخل بلاده، عنوانها العريض: الاستقرار أولًا… أم الصدام القادم؟