مغاربة فرنسا : القرار الأممي الداعم لسيادة المغرب على الصحراء أنهى وهم الانفصال

مغاربة فرنسا : القرار الأممي الداعم لسيادة المغرب على الصحراء أنهى وهم الانفصال

عمّت أجواء من الفخر والاعتزاز بين أبناء الجالية المغربية المقيمة في فرنسا عقب التصويت التاريخي الذي أجراه مجلس الأمن الدولي، والذي أقرّ بأغلبية ساحقة مشروع القرار الأمريكي الداعم لسيادة المغرب على الصحراء، في خطوة تُعدّ تحولًا استراتيجيًا في مسار هذا الملف الذي امتد لأكثر من أربعة عقود.

وجاء التصويت بأغلبية داعمة للمقترح المغربي، في حين امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، فيما اختارت الجزائر مقاطعة الجلسة، في موقف اعتبره المراقبون تعبيرًا عن عزلة دبلوماسية متزايدة للجزائر في هذا الملف.

بالنسبة للجالية المغربية في فرنسا، كان الحدث بمثابة لحظة فخر جماعي، فقد رأى المغاربة المقيمون في باريس وليون ومارسيليا وتولوز في القرار الأممي انتصارًا للحكمة السياسية والدبلوماسية الهادئة التي ينتهجها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس. يقول إدريس بنسعيد، الناشط الجمعوي بمدينة ليون، في تصريح لـ”فرنسا بالعربي” : “هذا القرار هو تتويج لمسار طويل من النضال السياسي والدبلوماسي الذي قاده الملك محمد السادس بثبات. لقد انتصر صوت الشرعية على دعايات الانفصال التي روّجت لها الجزائر والبوليساريو لسنوات طويلة.”

تعتبر الجالية المغربية في فرنسا أن المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية أثبت على مدى السنوات الماضية أنه الحل الواقعي الوحيد القادر على إنهاء النزاع بشكل مستدام، خصوصًا مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية.

وتقول سمية الإدريسي، طالبة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة السوربون، إن التصويت الأخير “يعكس قناعة المجتمع الدولي بأن المغرب استطاع أن يقدم مشروعًا عمليًا للتنمية والاستقرار، في مقابل أطروحات قديمة فقدت صلتها بالواقع”.

وتضيف: “العالم اليوم يتعامل مع الوقائع لا الأوهام. التنمية التي يشهدها الجنوب المغربي هي أبلغ رد على كل من يشكّك في مغربية الصحراء.”

يرى عدد من المحللين من أبناء الجالية المغربية في فرنسا أن الموقف الأمريكي الحازم لصالح المقترح المغربي لم يكن مفاجئًا، بل جاء نتيجة تراكُم ثقة متبادلة بين الرباط وواشنطن، تُرجمت في دعم أمريكي رسمي وواضح لمغربية الصحراء منذ اعتراف إدارة الرئيس ترامب سنة 2020.

ويقول عبد السلام العلوي، خبير العلاقات الدولية المقيم في باريس، إن التصويت الأخير “كرّس تحولًا جذريًا في طريقة تعاطي مجلس الأمن مع الملف”، مشيرًا إلى أن “الدبلوماسية المغربية اشتغلت بصمت، لكنها نجحت في بناء تحالفات متينة جعلت الأغلبية داخل المجلس تتبنى الرؤية المغربية باعتبارها المرجعية الواقعية الوحيدة.”

ويضيف العلوي أن الجزائر خسرت رهاناتها الدبلوماسية بعد محاولاتها المستمرة لإقناع الصين وروسيا بالتصويت ضد المشروع الأمريكي، موضحًا أن امتناعهما عن التصويت بدل الرفض العلني “يمثل خيبة أمل عميقة للدبلوماسية الجزائرية التي كانت تراهن على فيتو روسي-صيني يعيد الملف إلى نقطة الصفر”.

من جهة أخرى، عبّر أفراد الجالية المغربية في فرنسا عن استغرابهم لموقف الجزائر التي قاطعت جلسة التصويت، معتبرين أن هذا الغياب يعكس “حالة ارتباك سياسي” لدى النظام الجزائري الذي يجد نفسه في مواجهة توافق دولي متنامٍ حول مغربية الصحراء.

وتقول نجاة أيت بن عبد الله، فاعلة جمعوية بمدينة مارسيليا، إن “الجزائر اختارت العزلة بدل الحوار، العالم تغيّر، واللغة اليوم هي التنمية والاستثمار، لا الشعارات البالية.” وتضيف أن المغاربة في فرنسا “يعيشون فخرًا مضاعفًا: فخر الانتماء لوطن يحقق الانتصارات بالعمل والدبلوماسية، وفخر العيش في بلد ديمقراطي كفرنسا يشهد على هذه النجاحات.”

وفي باريس، تحولت ساحات في مدن فرنسية يوم التصويت إلى مسرح احتفال عفوي للجالية المغربية، حيث تجمّع العشرات حاملين الأعلام الوطنية وصور الملك محمد السادس، مردّدين النشيد الوطني وشعارات الوحدة الترابية.

أحد المنظمين قال لفرنسا بالعربي : لم ننتظر إذنًا من أحد، أردنا فقط أن نقول للعالم إن الصحراء مغربية وستبقى كذلك إلى الأبد.”

هذا المشهد الرمزي في قلب العاصمة الفرنسية، بحسب مراقبين، يعكس عمق ارتباط الجالية المغربية بقضيتها الوطنية الأولى، وحرصها على الدفاع عنها بكل الوسائل الحضارية والقانونية المتاحة.

ويعتبر أبناء الجالية المغربية أن تصويت مجلس الأمن الأخير أنهى فعليًا النقاش حول استفتاء تقرير المصير الذي كانت الجزائر والبوليساريو تلوّحان به منذ عقود، فالمجتمع الدولي، كما يقول الباحث المغربي يونس الزرهوني، “لم يعد يرى في هذا الخيار حلًا واقعيًا، بل بات يعتبر المشروع المغربي للحكم الذاتي إطارًا عمليًا يضمن كرامة السكان ويحافظ على استقرار المنطقة.”

ويضيف: القرار الأخير هو أكثر من مجرد موقف سياسي، إنه اعتراف أممي ضمني بأن مغربية الصحراء أصبحت أمرًا واقعًا، وأن التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية هي الدليل الأوضح على ذلك.”

ويجمع المراقبون على أن القرار الأممي الأخير لا يمثل نهاية الصراع بقدر ما يفتح صفحة جديدة من البناء والتنمية في الصحراء المغربية، وهو ما يعكس رؤية المملكة في تحويل هذا الملف من قضية نزاع إلى نموذج نجاح تنموي يحتذى به في القارة الإفريقية. أما بالنسبة للجالية المغربية في فرنسا، فإن لحظة التصويت شكّلت مناسبة لتجديد العهد مع الوطن، والتأكيد على أن مغاربة المهجر سيظلون جسرًا دبلوماسيًا يربط المغرب بعواصم القرار العالمية.

وكما قالت ليلى بنهيمة، مغربية مقيمة في نانت: عندما ينتصر المغرب، ينتصر كل مغربي في العالم. الصحراء كانت وستبقى مغربية، والشرعية اليوم أصبحت معنا، لا ضدنا.”

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نكهة الوطن في قلب فرنسا : نورة الزكراوي تحوّل طبق الحلزون المغربي إلى مشروع يربط الجاليات العربية

في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة