أكّد رئيس مدغشقر المخلوع أندري راجولينا،أنه غادر البلاد فعلا على متن طائرة عسكرية فرنسية، بعد ما يقارب شهرًا من المظاهرات العنيفة التي اجتاحت العاصمة أنتاناناريفو وعددًا من المدن.
وجاء تأكيده بعد أيام من تكهّنات وأخبار متضاربة حول مصيره، عقب إعلان الإذاعة الفرنسية الدولية تنفيذ عملية “إجلاء سرّية” فرنسية الأحد الماضي.
وبحسب بيان صادر عن دائرته المقربة، فإن الرئيس غادر بين 11 و12 أكتوبر إثر “تهديدات صريحة وخطيرة للغاية استهدفت حياته”، في وقت كانت الاحتجاجات المطالبة برحيله تتّسع بوتيرة غير مسبوقة.
وأوضح البيان أن مغادرته جاءت “لأداء مهام خارجية، ولضمان سلامته الشخصية”.
🔹 من رئيسٍ إلى منفيّ… في ساعات
الجيش المالدغاشي تحرك سريعًا لملء الفراغ. فبعد يومٍ واحد فقط من تأكيد فرار الرئيس، أعلن العقيد ميكائيل راندرينارينا، أحد أبرز قادة الجيش، تولّيه السلطة “مؤقتًا”، إثر تصويت برلماني مثير للجدل أطاح براجولينا من منصبه، بعد أن كان هذا الأخير حلّ الجمعية الوطنية قبل ساعات فقط من جلسة التصويت.
راندرينارينا، الذي يُفترض أن يؤدي اليمين الدستورية ، قال في بيان متلفز إن وحدته العسكرية قررت “تحمّل مسؤولياتها الوطنية لمنع انهيار الدولة”، متهمًا النظام السابق بارتكاب “انتهاكات دستورية خطيرة”. كما أعلن تشكيل لجنة عسكرية عليا تضمّ ضباطًا من الجيش والشرطة والدرك، لتشرف على “مرحلة إعادة تأسيس الجمهورية”.
🔹 اتهامات متبادلة واتهام بالفساد السياسي
في المقابل، وصف راجولينا، البالغ من العمر 51 عامًا، الإطاحة به بأنها “انقلاب مقنّع” و“مهزلة سياسية”، معتبرًا أن قرار المحكمة الدستورية بدعوة راندرينارينا لتولّي الرئاسة “يشير بوضوح إلى وجود صفقات خفية وعمليات فساد على أعلى مستوى”. كما اتهم بعض النواب بالتواطؤ مع “فصائل داخل الجيش” لانتزاع السلطة بالقوة.
🔹 احتجاجات الغضب وجيل Z في الواجهة
الاحتجاجات التي بدأت في 25 سبتمبر قادها حراك “جيل Z” الشبابي، الذي تحوّل سريعًا إلى حركة واسعة ضد الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ومع تصاعد الغضب الشعبي، تحولت المظاهرات إلى مواجهات دامية أسفرت عن عشرات الجرحى وموجة اعتقالات في صفوف النشطاء والصحفيين.
ورغم محاولات التهدئة، فإن الشارع المالدغاشي لم يعد يثق بالوعود، وبدأت الشعارات تتحدث عن “جمهورية جديدة” و”نهاية حقبة راجولينا”.
🔹 فرار درامي بطابع فرنسي
في الكواليس، تكشّفت تفاصيل عملية الفرار: فمع احتدام المواجهات في العاصمة، حطّت طائرة عسكرية فرنسية في قاعدة جوية قريبة من أنتاناناريفو. ووفق مصادر متطابقة، تولّت الطائرة نقل راجولينا ومرافقيه إلى “وجهة أوروبية آمنة” في عملية دقيقة نُفذت تحت حماية وحدات خاصة فرنسية.
وتثير هذه العملية تساؤلات كبرى حول الدور الفرنسي في الأزمة، إذ تُعد باريس القوة الأجنبية الأكثر نفوذًا في الجزيرة، التي كانت مستعمرة فرنسية حتى عام 1960.
🔹 نهاية فصل وبداية غموض
هكذا طويت صفحة أخرى من التاريخ السياسي المأزوم في مدغشقر، حيث تتكرّر الانقلابات والفرار الرئاسي في مشهد يبدو بلا نهاية. فمنذ عودته إلى الحكم عام 2018 بعد تجربة مماثلة في 2009، لم ينجح راجولينا في كسر هذه الحلقة المفرغة.
واليوم، ومع صعود ضابط عسكري إلى سدة الحكم وسط وعود بـ”إعادة التأسيس”، يخشى المراقبون من أن تكون البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من الاضطرابات والانقسامات، بينما يظل الشعب المالدغاشي — الذي أنهكته الأزمات — المتفرج الدائم على لعبة السلطة التي لا تنتهي.
