خرج رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو من مقر رئاسة الحكومة “ماتينيون” ليعلن قرارًا وصفه كثيرون بالتاريخي، و هو التخلي عن استخدام المادة 3-49 من الدستور المثيرة للجدل، و التي لطالما لجأت إليها الحكومات الفرنسية لتمرير مشاريع القوانين دون تصويت كامل داخل البرلمان.
لوكورنو، الذي بدا حازمًا في كلمته أمام الصحافة، قال: “يجب أن يكون لكل نائب سلطة ومسؤولية، وأن يتحمل مسؤوليته في النهاية. هذا ما يمنعنا من التقدم. ومن هنا قررت التخلي عن المادة 49-3، لأنها في جوهرها تسمح للحكومة بقطع النقاشات وفرض القوانين”، مضيفًا أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار للنقاش البرلماني حتى في ظل التباينات والانقسامات.
هذا الإعلان المفاجئ يأتي في وقت حرج تعيشه فرنسا، إذ يقترب الموعد الدستوري لإقرار الموازنة العامة قبل 31 ديسمبر. لوكورنو شدد في تصريحاته على أن التخلي عن المادة لا يعني التخلي عن الميزانية، مضيفًا: “في برلمان منتخب حديثًا ويعكس وجه فرنسا بانقساماته، لا يمكننا فرض الأمور بالقوة ولا يمكننا تقييد المعارضة”.
ورغم ما قد يبدو قرارًا محفوفًا بالمخاطر، أشار رئيس الوزراء إلى أنه يراهن على إمكان التوصل إلى توافقات سياسية أوسع خلف الكواليس. وقال: “خلف الأبواب المغلقة يمكن أن تكون التسويات ممكنة، والنقاشات جدية، تقنية وصادقة. وهذا يقودنا إلى فكرة أولية: إمكانية بناء ائتلاف أوسع عبر اتفاق بعدم الرقابة البرلمانية، بما يسمح لمجموعات الجمهوريين في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بأن يثقوا ببعضهم البعض. ليس على طريقة الائتلاف الألماني، لكن على الأقل عبر نص يمنح البلاد وضوحًا واستقرارًا”.
قرار لوكورنو بالتخلي عن المادة 49-3 يضع حكومته أمام معادلة صعبة: من جهة، تعزيز الديمقراطية البرلمانية عبر إعادة الكلمة للنواب، ومن جهة أخرى، مواجهة التحدي العملي المتمثل في تمرير القوانين الكبرى، خاصة الميزانية، في ظل برلمان منقسم ومعارضة قوية.
سياسيون ومحللون رأوا في الخطوة محاولة من رئيس الوزراء لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والأحزاب، وربما فتح الباب أمام شكل جديد من التعاون السياسي في فرنسا. لكن آخرين حذروا من أن التخلي عن هذه الأداة قد يعرقل عمل الحكومة بشكل كبير ويفتح الباب أمام أزمات تشريعية متتالية.
في كل الأحوال، تبدو فرنسا مقبلة على مرحلة برلمانية أكثر حيوية وصخبًا، حيث ستختبر فيها الديمقراطية الفرنسية قدرتها على العمل من دون “العصا السحرية” للمادة 49 فقرة 3. ومع اقتراب نهاية العام، سيكون الملف المالي أول امتحان حقيقي لهذا التحول التاريخي.