ما زال الحكم التاريخي الصادر ضد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، بالسجن النافذ خمس سنوات في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية، يلقي بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي والقانوني في فرنسا،ففي حين وصف ساركوزي الحكم بأنه “فضيحة” ونتاج “مؤامرة سياسية”، خرجت نقابة القضاة الفرنسية لتؤكد أن القرار لم يكن مسيّسًا، بل جاء حصيلة إجراءات قضائية صارمة اعتبرت أن الرئيس السابق “مسؤول عن أفعال إجرامية”.
⚖️ “لم يُحاكَم كسياسي بل كمواطن”
في حوار خاص ، قال لودوفيك فريات، رئيس نقابة القضاة الفرنسية ، إن الحكم شكل “صاعقة سياسية وقضائية” لكنه شدد على أن “ساركوزي لم يُحاكم كسياسي بسبب أفكاره، بل كمواطن بسبب أفعال ارتكبها”.
وأضاف: “بطبيعة الحال، للقضية وزن سياسي، لكن أساسها يبقى قانونيًا خالصًا، لأنها تتعلق بأفعال جرمية ارتكبها متهم يتمتع بوزن سياسي كبير.”
🧳 حقائب المال الليبي واتهامات خطيرة
القضية تعود إلى الانتخابات الرئاسية عام 2007، حيث اتهم محققون مقربين من نظام العقيد معمر القذافي بتهريب ملايين اليوروهات إلى باريس داخل حقائب مملوءة بالنقود لدعم حملة ساركوزي.
شبكة معقدة من الوسطاء، بينهم تجار سلاح وعملاء استخبارات سابقون، وُضعت في دائرة الاتهام.
وقد رأت المحكمة أن الرئيس السابق سمح لمساعديه بالغوص في “المياه المظلمة” لتمويل غير مشروع، وهو ما اعتبرته “مشاركة غير مباشرة في مؤامرة إجرامية”.
👩⚖️ “لا امتيازات حتى للرئيس”
أحد أبرز نقاط الجدل تمثلت في تنفيذ الحكم بشكل فوري، فريات أوضح أن “العديد من المتهمين الآخرين في نفس الملف أُودعوا السجن فورًا، وبالتالي كان من غير المنطقي أن يُعامل ساركوزي – بوصفه الفاعل الأساسي – معاملة مغايرة”.
وأضاف: “لو حدث ذلك، لكان الأمر بمثابة تفضيل شخصي يسيء لصورة العدالة.”
😡 ردود ساركوزي وصدى الغضب
ساركوزي، الذي خدم في الإليزيه بين 2007 و2012، خرج من المحكمة محاطًا بالكاميرات، مؤكدًا أنه “بريء تمامًا” وأن الحكم “فضيحة تمس بسمعة فرنسا”.
وأكد استعداده لدخول السجن “مرفوع الرأس”، معلنًا عزمه الاستئناف على الحكم.
لكن فريات انتقد بشدة خطاب الرئيس السابق، قائلاً: “من حق أي متهم أن ينتقد قضاة محاكمته ليوم واحد بعد صدور الحكم، لكن ما يثير القلق أن ساركوزي، بوصفه رئيسًا سابقًا كان ضامنًا لاستقلالية القضاء، يحاول الآن زرع الشكوك والإيحاء بأنه ضحية مؤامرة.”
🇫🇷 “درس ديمقراطي لفرنسا”
في المقابل، اعتبر فريات أن ما حدث يمثل “مكسبًا ديمقراطيًا” لفرنسا: “هناك دول كثيرة لا يمكن أن تصل فيها مثل هذه الملفات إلى القضاء وتُغلق في الأدراج. أما في فرنسا، فمحاكمة رئيس أو رئيس سابق أمام القضاء العلني تعكس نضجًا ديمقراطيًا يستحق الفخر.”
📍 بين الاستئناف والمصير المجهول
الحكم، الذي فاجأ الكثيرين بإرساله رئيسا سابقا خلف القضبان، يُعد غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة. وعلى الرغم من أن استئناف ساركوزي قد يعلق التنفيذ مؤقتًا مع أن القانون الفرنسي لا يتيح ذلك، إلا أن صورته السياسية تضررت بشدة.
وبينما يصر هو ومؤيدوه على وصف الحكم بأنه “انتقام سياسي”، يؤكد القضاة أن العدالة الفرنسية قالت كلمتها بلا تمييز: “القانون فوق الجميع، حتى لو كان المتهم رئيسًا للجمهورية.”