ضجة سياسية وقضائية تهزّ الجامعة الفرنسية العريقة “باريس 8” بعد تداول مقطع مصوّر على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه عدد من الطلبة وهم يطلقون تصريحات تُعتبر تمجيدًا لهجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة “حماس”.
الفيديو، الذي انتشر بسرعة على منصة “إنستغرام” مساء الحادي والعشرين من أكتوبر، دفع السلطات الفرنسية إلى التحرّك على الفور، وسط اتهامات خطيرة تتعلق بـ”الإشادة بأعمال إرهابية” و”تصريحات معادية للسامية”.
المدعي العام في بوبينيي، إيريك ماتاي، أعلن صباح الأربعاء فتح تحقيق رسمي بعد تلقي بلاغ من رئاسة الأكاديمية في منطقة “إيل دو فرانس”.
وقال في بيان مقتضب: “تبيّن من خلال الإشعار الذي تلقيناه أن مقطع الفيديو يتضمّن تصريحات قد تندرج تحت الوصف الجنائي للإشادة العلنية بعمل إرهابي. على الفور تم فتح تحقيق قضائي وتكليف فرقة مكافحة الجرائم ضد الأشخاص بمتابعته.”
التحقيق يأتي بعد ساعات فقط من تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي فيليب باتيست، الذي وصف ما جرى بأنه “تجمّع يحمل رائحة معاداة السامية”، وأكد أنه طلب رسميًا من الأكاديمية إحالة الملف إلى القضاء، قائلاً: “ما سمعناه في جامعة باريس 8 لا يليق بالمؤسسات الجامعية ولا بقيم الجمهورية الفرنسية.”
الجدل تفجّر بعد أن نشر موقع إلكتروني يحمل اسم “ليون – لوميديا”، ويعرّف نفسه بأنه “فرنسي ويهودي”، مقطع فيديو بعنوان “لقد تسللنا إلى اليسار المتطرف في جامعة باريس 8″، زعم فيه أن أحد صحافيي الموقع حضر الاجتماع الطلابي متخفيًا وسجّل تلك التصريحات خلسة دون علم الطلاب.
وقال رئيس تحرير الموقع في تصريح لوسائل الإعلام: “الفيديو الذي نشرناه تم تسجيله دون علم المنظّمين في الخامس عشر من أكتوبر داخل مدرج جامعي، وأُعيد تركيبه جزئيًا قبل نشره، إذ أضفنا الصوت الحقيقي فوق صور من القاعة.”
لكنّ هذه الاعترافات لم تُطفئ الشكوك حول مدى مصداقية التسجيل، خاصة أن التصريحات سُمعت فقط دون أن تظهر وجوه أصحابها. الصحافة الفرنسية أكدت أنها لم تستطع التحقق من صحة المقطع بشكل مستقل، فيما رفضت فيدرالية النقابات الطلابية الرد على اتصالات الصحفيين، ما زاد الغموض المحيط بالقضية.
في المقابل، أعلنت جامعة باريس 8 في بيان رسمي أنها “تدين بشدة أي دعوة إلى الكراهية أو العنف داخل الحرم الجامعي”، مؤكدة فتح تحقيق داخلي موازٍ لتحديد ما جرى فعلاً خلال التجمع الطلابي. كما أكدت الجامعة التزامها المطلق بحرية التعبير ضمن “حدود القانون واحترام الكرامة الإنسانية”.
من جهتها، أعلنت اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا أنها ستتقدّم بشكوى قضائية ضد مجهول، معتبرة أن الفيديو يكشف “انزلاقًا خطيرًا داخل بعض الأوساط الطلابية المتطرفة التي تستخدم الجامعات منصة لبثّ الكراهية”.
القضية اليوم تتجاوز حدود الجامعة، لتتحول إلى اختبار جديد للتوازن بين حرية التعبير ومكافحة التطرف في فرنسا، بلد لا يزال يعيش على وقع التوترات التي خلّفها هجوم السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه من تداعيات سياسية واجتماعية. وبين تحقيقات النيابة العامة وضغوط الحكومة والرأي العام، يبدو أن جامعة باريس 8 تجد نفسها في قلب عاصفة فكرية وقانونية قد تعيد رسم حدود النقاش داخل الفضاء الجامعي الفرنسي.
