شركة الإسمنت الفرنسية “لافارج” في قفص الاتهام : تمويل داعش و النصرة أمام القضاء الفرنسي

شركة الإسمنت الفرنسية “لافارج” في قفص الاتهام : تمويل داعش و النصرة أمام القضاء الفرنسي

 انطلقت في باريس إجراءات محاكمة شركة لافارج الفرنسية لصناعة الإسمنت، بتهمة تمويل الإرهاب في سوريا والانتهاك الممنهج للعقوبات الأوروبية خلال الحرب الأهلية السورية.

المحاكمة، التي تُعد الأولى من نوعها في فرنسا لشركة تواجه اتهامات تمويل جماعات إرهابية، ركّزت على عمليات الشركة في مصنعها في شمال سوريا خلال السنوات 2013 و2014.

وبحسب تحقيقات قضاة مكافحة الإرهاب الفرنسيين، فإن وحدة لافارج في سوريا دفعت ما يقارب 5 ملايين يورو لجماعات جهادية بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و”جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة، لكلاهما تصنيفه الاتحاد الأوروبي كمنظمات إرهابية.

وتأتي هذه الاتهامات ضمن تحقيق مستمر منذ عام 2017 يشمل ثمانية مسؤولين سابقين من إدارة لافارج، بينهم الرئيس التنفيذي السابق للشركة برونو لافون ونائب المدير العام كريستيان هيرولت، وكلاهما حضر جلسة المحكمة وسط حراسة مشددة.

وقالت كلير تيكسير، المديرة المشاركة للمركز الأوروبي للدراسات الدستورية وحقوق الإنسان، وهي جهة مدنية مشاركة في المحاكمة، ل”فرنسا بالعربي”: «ننتظر أن يتم الاستماع إلى الموظفين السوريين، لكن هناك جانباً آخر بالغ الأهمية في هذه القضية، فهو لا يقتصر على المدفوعات غير القانونية أو تمويل الإرهاب فحسب، بل يتعلق أيضاً بشركة لافارج كمشارك محتمل في جرائم ضد الإنسانية».

وأضافت أن المحكمة العليا الفرنسية أكدت هذا الوضع مرتين بالفعل، مشيرة إلى أن التحقيق ما زال جارياً في هذا الشأن.

مصنع جلابية، الذي يقع في شمال سوريا وتم شراؤه من قبل لافارج عام 2008 مقابل 680 مليون دولار، بدأ تشغيله في 2010 قبل أشهر من اندلاع الانتفاضة السورية.

كان الموظفون يقيمون في مدينة منبج القريبة على الضفة الغربية لنهر الفرات، وكانوا بحاجة لعبور نقاط تفتيش مسلحة للوصول إلى المصنع. ويقول المحققون إن حوالي 3 ملايين يورو دفعت لتأمين مرور آمن للموظفين، فيما استخدمت 1.9 مليون يورو أخرى لشراء المواد الخام من محاجر كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

المحاكمة تركز أيضاً على اتهامات الشركة بالمساهمة في جرائم ضد الإنسانية نتيجة استمرار تشغيل المصنع في بيئة نزاع مسلح. وحذر القضاة من أن استمرار النشاط التجاري في مناطق خاضعة للجماعات المسلحة يثير مسؤوليات قانونية وأخلاقية جسيمة.

وفي الولايات المتحدة، اعترفت لافارج في عام 2022 بأن شركتها السورية دفعت 6 ملايين دولار لداعش وجبهة النصرة لضمان مرور الموظفين والعملاء والموردين خلال نقاط التفتيش بعد اندلاع النزاع.

وكجزء من تسوية قضائية، دفعت المجموعة 778 مليون دولار كغرامات وعقوبات، فيما قد تواجه غرامات أقل بكثير في فرنسا إذا ثبت تورطها.

المحاكمة تستمر حتى 16 ديسمبر، وتشمل ثمانية أفراد يواجهون عقوبة تصل إلى 10 سنوات سجن إذا ثبت تورطهم، إلى جانب الشركة نفسها، المتهمة بالتنسيق في دفع الأموال للمسلحين بشكل ممنهج للحفاظ على تشغيل المصنع.

شهدت جلسة المحكمة الخارجية في باريس حضوراً مكثفاً للصحفيين، مع انتشار حراسة الشرطة أمام القاعة، بينما رفرفت الأعلام الفرنسية والأوروبية، في مشهد يعكس حساسيات القضية وأهميتها على الصعيدين القانوني والأمني.

ويشير المراقبون إلى أن هذه المحاكمة قد تشكل سابقة في محاكمة شركات على أراضيها بسبب أنشطة تجارية تمويلية لجماعات إرهابية خارجية، مما يضع شركات عالمية أخرى تحت مجهر الرقابة القانونية الدولية.

القضية أثارت جدلاً واسعاً حول مسؤولية الشركات متعددة الجنسيات في مناطق النزاعات المسلحة، خاصة فيما يتعلق بالمدفوعات التي قد تُعتبر تمويلاً للإرهاب أو مساهمة في انتهاك حقوق الإنسان.

ويقول الخبراء القانونيون إن نتائج هذه المحاكمة قد تعيد تعريف المسؤوليات القانونية للشركات الكبرى العاملة في بيئات النزاع، وتفرض عليها مراجعة سياساتها التشغيلية والتجارية بشكل شامل.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نكهة الوطن في قلب فرنسا : نورة الزكراوي تحوّل طبق الحلزون المغربي إلى مشروع يربط الجاليات العربية

في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة