أعلنت النيابة العامة في باريس مساء الأحد عن توقيف مشتبهين اثنين يُعتقد أنهما من بين أفراد العصابة التي نفذت واحدة من أجرأ السرقات في التاريخ الحديث.
الاعتقال الأول تم مساء السبت، 25 أكتوبر، في مطار رواسي – شارل ديغول، حين أوقف عناصر من الشرطة الوطنية أحد المشتبهين بينما كان يستعد لركوب طائرة متجهة إلى الجزائر عبر الخطوط الجوية الجزائرية و يحمل جنسية جزائرية.
ووفقًا لمصادر متطابقة نقلتها مجلة باريس ماتش، فإن هذا الرجل الثلاثيني، المعروف لدى أجهزة الشرطة، يُعتقد أنه شارك في عملية السطو التي وقعت قبل أسبوع فقط داخل أروقة المتحف الأشهر في العالم.
الموقوف نُقل فورًا إلى محققي فرقة مكافحة العصابات التابعة للشرطة القضائية الباريسية، الجهة المكلفة بالتحقيق في القضية، بعد أن تسلمته شرطة الحدود الوطنية.
أما المشتبه به الثاني، فقد أوقف في عملية متزامنة داخل ضواحي العاصمة باريس، من دون الكشف عن هويته أو تفاصيل إضافية حول دوره المحتمل في العملية.
وجاءت هذه التطورات بعد أسبوع فقط من عملية سرقة وُصفت بأنها «جريئة وغير مسبوقة»، عندما تسلل أربعة لصوص إلى داخل متحف اللوفر في وضح النهار مستخدمين رافعة للوصول إلى نافذة في الطابق العلوي، حيث تمكنوا من الاستيلاء على ثماني قطع مجوهرات نادرة تُقدّر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار، بينها تيجان وأحجار كريمة من مقتنيات التاج الفرنسي.
المدعية العامة في باريس، لور بيكّو، أكدت في بيان رسمي أن الاعتقالات تمت مساء السبت بفضل عمل دؤوب استمر لأيام شارك فيه أكثر من مئة محقق.
لكنها عبّرت عن أسفها الشديد لتسريب المعلومات حول العملية إلى وسائل الإعلام قبل صدور بيان رسمي، مشيرة إلى أن «هذا النوع من التسريبات يمكن أن يضر بسير التحقيقات وبجهود المحققين في تعقب باقي أفراد العصابة واستعادة القطع المسروقة».
وأضافت بيكّو أن الوقت لا يزال مبكرًا لتقديم تفاصيل دقيقة عن هوية الموقوفين أو مدى تورطهم، مشددة على أن مرحلة الحجز تحت النظر ستستمر قبل إحالة المشتبهين على قاضي التحقيق المختص.
من جهته، هنأ وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز فرق التحقيق في منشور على منصة “إكس”، قائلًا:
“أوجّه أحرّ التهاني للمحققين الذين عملوا بلا كلل، كما طلبت منهم، وبثقة كاملة من جانبنا. التحقيقات يجب أن تستمر بسرية تامة وتحت سلطة النيابة العامة المتخصصة في باريس. سنواصل العمل بالعزم نفسه.”
وبحسب صحيفة لو باريزيان، فإن الموقوفين ينحدران من ضاحية سان سان دوني الواقعة شمال العاصمة، وهي منطقة معروفة بنشاط عصابات الجريمة المنظمة. وتشير المعطيات الأولية إلى أن أفراد العصابة كانوا على قدر عالٍ من التنظيم والدقة، إذ استخدموا معدات متطورة وعرفوا جيدًا نقاط الضعف في النظام الأمني للمتحف.
عملية السطو على متحف اللوفر، التي وقعت في التاسع عشر من أكتوبر، لا تزال تثير صدمة واسعة في فرنسا وخارجها، إذ لم يسبق أن تم اختراق أمن هذا الصرح الثقافي العالمي منذ عقود.
ويخشى مسؤولو المتحف أن يكون جزء من المسروقات قد غادر الأراضي الفرنسية بالفعل عبر قنوات تهريب دولية متخصصة في تجارة التحف والمجوهرات النادرة.
ومع أن الاعتقالات الأخيرة تمثل اختراقًا مهمًا في التحقيق، فإن المحققين لا يزالون يسابقون الزمن لتعقّب باقي أفراد العصابة الأربعة واستعادة المجوهرات التي تمثل جزءًا من التراث الفني الفرنسي.
القضية التي شغلت الرأي العام وأثارت تساؤلات حول كفاءة أنظمة الأمن في أكثر المتاحف زيارة في العالم، قد تتحول في الأسابيع المقبلة إلى واحدة من أكثر الملفات الجنائية إثارة في تاريخ القضاء الفرنسي، خصوصًا إذا تكشفت خيوط تشير إلى ضلوع شبكات دولية متورطة في تهريب الأعمال الفنية.
ويبقى السؤال الذي يشغل الجميع في باريس اليوم: هل تكشف التحقيقات القادمة عن هوية العقل المدبر للسرقة التي أحرجت فرنسا أمام العالم؟ أم أن بعض أسرار سرقة القرن ستبقى طيّ الكتمان إلى الأبد؟
