زوجة ماكرون “تحولت إلى رجل؟!”…إشاعة على مواقع التواصل تجر العشرات إلى المحاكمة

زوجة ماكرون “تحولت إلى رجل؟!”…إشاعة على مواقع التواصل تجر العشرات إلى المحاكمة

استيقظت  هذا الصباح على مشهد غير عادي أمام قصر العدالة في الدائرة السابعة عشرة. طوابير من الصحافيين والمصورين والمواطنين تجمعوا عند بوابة المحكمة الجنائية الكبرى، في انتظار محاكمة مثيرة يتابعها الفرنسيون لحظة بلحظة: عشرة متهمين يواجهون تهمة التحرش الإلكتروني بزوجة الرئيس الفرنسي، بريجيت ماكرون.

الحدث ليس مجرد قضية قضائية، بل عاصفة اجتماعية وسياسية تضرب قلب الجمهورية الخامسة، وتفتح جراحًا عميقة حول سؤال واحد يشغل فرنسا كلها: أين تنتهي حرية التعبير… وأين تبدأ جريمة التشهير؟


بداية القضية: إشاعة صغيرة تتحول إلى زلزال رقمي

القصة بدأت عام 2020، حين انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات مشبوهة تدّعي أن بريجيت ماكرون “وُلدت ذكرًا وتم تحويلها إلى أنثى”. إشاعة كاذبة لا تحمل أي أساس من الصحة، لكنها انتشرت كالنار في الهشيم.
في غضون أيام، تحولت إلى موجة ضخمة من السخرية والتهكم والاتهامات، شارك فيها آلاف المستخدمين عبر تويتر ويوتيوب وفيسبوك، لتتحول مواقع التواصل إلى ساحة مفتوحة للهجوم الشخصي على زوجة رئيس الجمهورية.

لكن خلف الشاشات، كانت هناك مجموعة صغيرة تنسق وتعيد نشر الإشاعات بشكل متكرر. وهؤلاء العشرة الذين يمثلون اليوم أمام القضاء، يُتهمون بأنهم قادوا تلك الحملة الممنهجة التي استهدفت سمعة السيدة الأولى.


صباح المحاكمة: باريس على أعصابها

عند الساعة الثامنة صباحًا، كان الممر المؤدي إلى قاعة الجلسة يعجّ بالمصورين. كاميرات الإعلام العالمي تتزاحم، وضباط الشرطة يدققون في بطاقات الدخول. المشهد بدا أشبه بمدخل مهرجان سينمائي لا بجلسة قضائية.

في الداخل، جلس المتهمون متباعدين عن بعضهم البعض، بعضهم يتهامس، وآخرون يلتزمون الصمت، في حين كانت وجوه المحامين تعكس توترًا غير معلن.
الأنظار كلها كانت تتجه نحو دلفين ج.، المرأة التي اشتهرت بنشر مقاطع الفيديو الأكثر جدلاً في القضية، والتي أطلقت قبل دخولها المحكمة تصريحًا استفزازيًا قالت فيه:

“يطلبون مني أن أعتذر لبريجيت ماكرون؟ بل هي من يجب أن تعتذر لي !”

تصريح أشعل وسائل الإعلام الفرنسية، وتحوّل إلى مادة رئيسية في نشرات الأخبار المسائية.


الاتهامات: كلمات يمكن أن تدمّر حياة

النيابة العامة في باريس وجهت للمتهمين تهمة التحرش الإلكتروني الجماعي ونشر أخبار كاذبة بقصد التشهير والإضرار المعنوي.
القانون الفرنسي يعتبر أن أي حملة منسقة على الإنترنت تستهدف شخصًا بشكل متكرر تدخل في إطار “التحرش الجماعي”، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عامين كاملين وغرامة قد تتجاوز 30 ألف يورو.

المحامي كارلو بروزّا، الذي يدافع عن أحد المتهمين، حاول التخفيف من وقع الاتهامات، قائلاً أمام عدسات الكاميرات :

“موكلي لم يكن يملك نية الإساءة… لقد كان واحدًا من بين مئات الآلاف الذين تحدثوا عن القصة، دون قصد أو معرفة بحقيقتها. لا يمكن معاقبة كل من أعاد تغريدة !”

لكن النيابة العامة لم تتأثر بهذا الدفاع، مؤكدة أن بعض المتهمين تعمّدوا التضليل ونشر صور معدلة وفيديوهات مزيفة، ما يشكل “هجومًا منظّمًا على شخصية عامة بهدف الإذلال والإساءة”.


غياب بريجيت ماكرون وحضورها الطاغي

زوجة الرئيس الفرنسي لم تحضر الجلسة، لكنها كانت حاضرة في كل كلمة ونظرة داخل القاعة. محاميها، الذي جلس في الصف الأول، قدم مذكرة قوية قال فيها إن موكلته عانت من انهيار نفسي حقيقي نتيجة الكراهية الإلكترونية، وأن ما حدث معها يجب أن يكون “ناقوس خطر للمجتمع الفرنسي بأكمله”.

وقال في تصريح مقتضب بعد الجلسة:

“السيدة ماكرون ليست فقط زوجة رئيس، بل امرأة وُضعت في قلب آلة رقمية جهنمية. هذه ليست حرية تعبير، بل اغتيال معنوي منظم.”


الشارع الفرنسي منقسم

القضية قسمت الرأي العام الفرنسي بحدة.
فريق واسع من المواطنين والحقوقيين يرى أن هذه المحاكمة خطوة ضرورية لوضع حد لثقافة الكراهية والعدوان الرقمي التي تزايدت في فرنسا خلال السنوات الأخيرة.
في المقابل، هناك من يرى أن الحكومة تستغل القضية لتكميم أفواه المعارضين على الإنترنت تحت غطاء “حماية الخصوصية”.

أحد الناشطين صرح أمام المحكمة قائلاً:

“اليوم يحاكمون من تحدث عن بريجيت ماكرون، وغدًا ربما يُحاكم من ينتقد سياسات الحكومة. الخط الفاصل بين النقد والجرم أصبح غامضًا جدًا.”


ما وراء الجلسة: قضية رمزية لعصر السوشيال ميديا

القضية تجاوزت حدود فرنسا لتصبح نقطة نقاش عالمية حول أخلاقيات الإنترنت وحدود الحريات الرقمية.
ففي زمن تتحرك فيه الشائعات أسرع من الحقائق، وتتحول التغريدات إلى سلاح، تقف العدالة الفرنسية اليوم أمام مهمة شبه مستحيلة: كيف تضع قانونًا يحمي الكرامة دون أن يخنق حرية التعبير؟

خبراء القانون يعتبرون هذه المحاكمة سابقة ستحدد مستقبل التعامل القضائي مع الجرائم الإلكترونية، بينما يرى الإعلام الفرنسي أنها “محاكمة رمزية للإنترنت نفسه”، وللوجه المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي التي تحوّلت من منابر حرية إلى ساحات تنمر جماعي.


الكلمة الأخيرة بيد القضاء

من المنتظر أن تصدر المحكمة حكمها في غضون أسابيع قليلة. وإذا أُدين المتهمون، فقد تكون هذه أول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية يُدان فيها مستخدمون عاديون بتهمة التحرش الإلكتروني بشخصية من هذا المستوى السياسي.

العيون تتجه الآن إلى باريس…
هل تنتصر العدالة لكرامة السيدة الأولى؟ أم تنتصر حرية التعبير على ما يعتبره البعض “رقابة ناعمة”؟

الجواب سيأتي من منصة القضاء، لكن المؤكد أن فرنسا – بلد الثورة وحقوق الإنسان – تعيش اليوم أصعب اختبار أخلاقي في عصر الشبكات والهاشتاغات.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نكهة الوطن في قلب فرنسا : نورة الزكراوي تحوّل طبق الحلزون المغربي إلى مشروع يربط الجاليات العربية

في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة