باتت السيطرة على استهلاك الكهرباء هاجسًا يوميًا للملايين من الأسر الفرنسية، خاصة مع تصاعد فواتير الكهرباء و اشتداد أزمة الطاقة،واليوم، لم يعد خفض الفاتورة مجرّد مسألة ترشيد في العادات، بل أصبح شأنًا تقنيًا بامتياز، بفضل جيلٍ جديد من التطبيقات الذكية والأدوات الرقمية التي تسمح بتتبّع استهلاك الطاقة لحظة بلحظة، وتحويل كل منزل إلى مختبر صغير لإدارة الكهرباء.
تقرير حديث للمركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا (CNRS) أشار إلى أن مجرّد الاطلاع في الوقت الفعلي على استهلاك الكهرباء يمكن أن يؤدي إلى تقليصه بنسبة 23% في المتوسط، أي ما يعادل توفيرًا سنويًا يقارب 192 يورو لأسرة تستهلك نحو 4535 كيلوواط/ساعة في العام، وهي نسبة مذهلة في ظل الارتفاع الحاد لأسعار الطاقة الذي تشهده أوروبا منذ الحرب في أوكرانيا.
لكن كيف يمكن تحقيق هذا الوفر؟ وأي التطبيقات أو الأدوات فعّالة حقًا؟
🔋 تطبيقات مجانية… فعالية مذهلة دون إنفاق يورو واحد
تقدّم شركات الكهرباء الكبرى، إلى جانب عدد من الشركات الناشئة، أدوات رقمية متطورة لقياس الاستهلاك.
أبرزها “إنيديس” (Enedis)، الشركة التي تدير شبكة الكهرباء في فرنسا، والتي توفر عبر موقعها mon-compte-particulier.enedis.fr إمكانية الاطلاع على سجل الاستهلاك بالتفصيل، يومًا بيوم وساعة بساعة، بفضل العدادات الذكية التي تم تركيبها في أكثر من 90% من المنازل الفرنسية.
غير أن التطبيقات الخاصة الأخرى تُقدّم واجهات أكثر تفاعلية وبيانات تحليلية تساعد على فهم أنماط الاستهلاك.
من بينها تطبيق “HelloWatt”، الذي يُظهر استهلاك الكهرباء يوميًا وأسبوعيًا وشهريًا، ويقدّر أيضًا حجم الطاقة المهدورة بسبب الأجهزة في وضع الاستعداد، والتي قد تصل إلى 30% من الفاتورة!.
التطبيق يقارن أداء منزلك بمنازل أخرى من الحجم نفسه ويقترح سلوكيات محددة لخفض الهدر، مثل تعديل حرارة السخان أو توقيت تشغيل الأجهزة الثقيلة.
أما تطبيق “Lite” فيذهب خطوة أبعد؛ فبعد بضعة أيام من جمع البيانات، يعرض رسومات بيانية دقيقة تُظهر استهلاك كل فترة من اليوم: الصباح، الغداء، المساء، وحتى أثناء النوم. ويمكن للمستخدم أن يتلقى تقريرًا أسبوعيًا عبر البريد الإلكتروني يُلخّص تطور استهلاكه، ويقترح حلولًا عملية. كما توفر الشركة تحليلًا مدفوعًا بـ 19 يورو يتضمن توصيات لعقود كهرباء أرخص، رغم أن الهيئة الوطنية لتنظيم الطاقة حذّرت مؤخرًا من أن “الفترة ليست مناسبة لتبديل مزوّد الكهرباء” بسبب اضطراب السوق.
⚙️ أدوات مدفوعة… هل تستحق الثمن؟
بعيدًا عن التطبيقات المجانية، تبرز أجهزة متصلة يمكن تركيبها في المنازل لقراءة الاستهلاك بدقة أكبر.
منها جهاز “Ecojoko” الذي يبلغ سعره 199 يورو، ويعمل عبر شبكة Wi-Fi ليرصد استهلاك كل جهاز في المنزل بشكل لحظي.
لكن رغم التكلفة المرتفعة، لم يُثبت الجهاز تفوقًا واضحًا على التطبيقات المجانية، بحسب موقع révolution-energetique.com الذي اختبره عمليًا. فقد أظهر تحليل الجهاز أن “جزءًا كبيرًا من الاستهلاك كان من التدفئة، رغم أن النظام كان مغلقًا منذ أسابيع”، ما أثار تساؤلات حول دقة الخوارزميات. ومع ذلك، يرى خبراء أن ارتفاع التكلفة يجعل المستخدمين أكثر التزامًا بتحليل بياناتهم والتقليل الفعلي من الهدر.
من جهة أخرى، تقدم شركة “Wattspirit” نظامًا أكثر دقة، يعتمد على خوارزميات متقدمة حازت على جائزة من وكالة البيئة الفرنسية (Ademe).
يكشف هذا النظام استهلاك كل جهاز في المنزل على حدة – من الثلاجة إلى الحاسوب – بدقة مذهلة، مقابل 149 يورو. ويصفه المستخدمون بأنه “الأداة المثالية لصيادي التوفير”، بفضل واجهته الغنية بالرسومات والمؤشرات التحليلية التي تحوّل استهلاك الكهرباء إلى تجربة ممتعة وملهمة.
⚡ بين الوعي البيئي والعقل الاقتصادي
هذه الأدوات، سواء المجانية أو المدفوعة، لا تقتصر فائدتها على تخفيض الفاتورة، بل تساهم أيضًا في تعزيز الوعي البيئي لدى المستهلكين، إذ تجعلهم يدركون في كل لحظة أثر استهلاكهم على الشبكة الوطنية وعلى الكوكب.
ويؤكد الباحثون أن “التحكم في استهلاك الكهرباء يبدأ من المعرفة”، وأن تمكين المواطن من مراقبة سلوكه الطاقي هو أول خطوة نحو انتقال بيئي فعلي.
وفي وقت تتحدث فيه فرنسا عن التحول الطاقي وضرورة تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، يبدو أن الثورة الرقمية في تتبّع استهلاك الكهرباء ستكون الوجه المكمّل للثورة البيئية.
فكل كيلوواط يتم توفيره هو انتصار صغير للجيب… وللأرض أيضًا. 🌍💡
