في تطور قانوني يثير اهتمام الرأي العام الفرنسي، قد يجد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي نفسه خارج أسوار السجن في غضون أسابيع قليلة، إذا ما وافقت محكمة الاستئناف على طلب محاميه بالإفراج المشروط، استنادًا إلى ثغرات قانونية يصفها البعض بالذكية، ويعتبرها آخرون محاولة لتفادي العدالة.
منذ دخوله سجن “لا سانتيه” في باريس بعد إدانته بتهمة التآمر الجنائي لتمويل حملته الانتخابية عام 2007 بأموال ليبية، يعيش ساركوزي واحدة من أكثر الفترات حساسية في مسيرته السياسية والقضائية. فالرجل الذي قاد فرنسا بين عامي 2007 و2012 لم يتوقع أن تنتهي معاركه القانونية خلف القضبان، لكن فريق دفاعه فتح جبهة جديدة في معركته مع القضاء الفرنسي.
المحامون الذين قدّموا طلبًا رسميًا للإفراج المشروط وفق ما اطلعت عليه صحيفة فرنسا بالعربي، يستندون إلى عنصرين أساسيين في القانون الفرنسي. أولهما أن ساركوزي سيبلغ من العمر 71 عامًا في شهر يناير المقبل، وهو ما يجعله مشمولًا بأحكام قانون تسمح بالإفراج المشروط عن أي مدان تجاوز السبعين عامًا، بغضّ النظر عن المدة المتبقية من عقوبته السجنية.
وثانيهما، أن الرئيس الأسبق قدّم طعنًا استئنافيًا فور دخوله السجن، ما يعني أن قضيته ما تزال قيد النظر القضائي، وأن سجنه في الوقت الراهن يُعد حبسًا مؤقتًا وليس تنفيذًا نهائيًا للعقوبة.
ويستند فريق الدفاع في هذا الجانب إلى المادة 44 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، التي تتيح للقاضي أن يأمر بالحبس المؤقت فقط إذا وُجدت مخاوف من فرار المتهم أو تأثيره على الشهود أو إتلافه للأدلة.
ويؤكد محاموه أن أياً من هذه الشروط لا ينطبق على موكلهم، الذي ظل يخضع للتحقيق والمحاكمة منذ سنوات دون أن يهرب أو يعطل سير العدالة، وهو ما يضعف قانونيًا مبررات استمرار حبسه.
اللافت أن هذه القراءة القانونية فتحت نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية حول ما إذا كان النظام القضائي سيتعامل مع ساركوزي كرجل عادي، أم كرئيس سابق له رمزية خاصة ومكانة حساسة في الوعي الفرنسي.
وبينما يرى خصومه أن أي إفراج مبكر سيُعتبر انتصارًا للنفوذ السياسي على القانون، يرى أنصاره أن استمرار حبسه رغم غياب مبرراته القانونية يمثل قسوةً غير مبررة وتعنتًا قضائيًا ضد شخصية خدمت الدولة الفرنسية لسنوات.
محكمة الاستئناف أمامها الآن مهلة قانونية لا تتجاوز شهرين للرد على طلب السراح المشروط، أي حتى 21 ديسمبر المقبل.
وبحسب الإجراءات المتبعة في المحاكم الفرنسية، فإن مثل هذه الطلبات يُبت فيها عادة في غضون شهر من تقديمها، ما يعني أن نيكولا ساركوزي قد يكون في منزله قبل أعياد الميلاد إذا قبلت المحكمة طلب الدفاع.
أما في حال رفض الطلب، فسيظل الرئيس الأسبق داخل سجن “لا سانتيه” إلى حين تمكنه من تقديم طلب جديد للإفراج المشروط، وهو ما لا يمكن أن يحدث قبل عام 2026.
وبين الرغبة في استعادة الحرية والمخاطر القانونية التي تلاحقه في ملفات أخرى، يقف نيكولا ساركوزي اليوم على مفترق طرق جديد في مسيرته المليئة بالتقلبات، فإما أن ينجح في الخروج من السجن بفضل ما يسميه محاموه “العدالة الإنسانية”، أو أن يقضي أعياد الميلاد القادمة خلف القضبان في انتظار جولة جديدة من معاركه القضائية التي لا يبدو أنها انتهت بعد.