الخباز التونسي رضا خضر يصنع خبز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

الخباز التونسي رضا خضر يصنع خبز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

من أفران تونس إلى مائدة الإليزيه، كتب الخباز التونسي رضا خضر واحدة من أجمل قصص النجاح في فرنسا بعد فوزه بلقب أفضل باغيت فرنسي لعام 2025، وهو اللقب الذي يمنحه عادة القصر الرئاسي الفرنسي لأكثر من يتقن صناعة الرغيف الأشهر في البلاد. وبذلك أصبح خضر الخباز الرسمي للرئيس إيمانويل ماكرون لمدة عام كامل، ليقدّم يوميًا خبزه الطازج إلى مائدة الإليزيه، في إنجاز استثنائي يجسد رحلة مهاجر شاب بدأ من الصفر وانتهى إلى قمة المهنة في وطن الخبز.

بدأ من عمل متواضع في مخبز صغير في ضواحي باريس، حيث كان يراقب بصمت مهارة الأساتذة في العجن والخبز والتخمير، قبل أن يقرر أن يجعل من العجين مشروع حياته. يقول خضر في حديثه لصحيفة “فرنسا بالعربي”: «كنت أستيقظ قبل الفجر لأراقب كيف يتنفس العجين. في كل رغيف هناك روح وحكاية. لم أتعلم من مدارس كبرى، بل من صبر الخبز نفسه».

ورغم المنافسة القوية بين أكثر من مئة وسبعين خبازًا محترفًا من مختلف المدن الفرنسية، استطاع خضر أن يقتنص الجائزة الذهبية بفضل وصفته الخاصة التي تمزج بين الأصالة الفرنسية واللمسة المتوسطية. فقد استخدم دقيقًا عضويًا مصدره مزارع محلية وماءً خفيف الملوحة يمنح الرغيف قشرة مقرمشة ونكهة لا تُنسى. وحين أعلن أعضاء لجنة التحكيم النتيجة، كان المشهد مؤثرًا، إذ غمره زملاؤه بالتصفيق والتهاني فيما هو لا يكاد يصدق أن رحلة عمره التي بدأت من فرن متواضع في تونس ستنتهي على طاولة الرئيس الفرنسي.

مسابقة “أفضل باغيت في باريس” تُعد من أعرق المنافسات في فرنسا، إذ يشرف على تحكيمها كبار الطهاة من القصر الرئاسي نفسه، إضافة إلى خبراء من الجمعية الوطنية للخبازين. والفائز بهذه الجائزة لا ينال المجد المعنوي فقط، بل يحصل على عقد رسمي لتزويد الإليزيه بالخبز لمدة عام كامل، وهو شرف لا يناله إلا القلائل. يقول رضا خضر بابتسامة تعلو وجهه: «حين نادوا اسمي، لم أصدق. شعرت أن كل سنوات التعب والعجن الطويلة لم تذهب سدى. الآن خبزي سيصل إلى مائدة الرئيس الفرنسي… ماذا يمكن لخباز أن يحلم أكثر من ذلك؟».

ويؤكد خضر أن سر نجاحه يكمن في احترامه لزمن العجين وتقديسه للتقليد الحرفي. فهو لا يستخدم أبدًا أي إضافات صناعية أو محسنات خبز، لأن الخبز الحقيقي – كما يقول – «يحتاج فقط إلى دقيق نقي وملح بحر ووقت لينضج مثل الإنسان». تلك الفلسفة البسيطة جعلت من رغيفه عملاً فنياً أكثر منه سلعة تجارية، وهو ما لاحظه التحكيم الذي وصف خبزه بأنه يجمع بين الخفة والطابع الريفي الأصيل.

قصة رضا خضر تتجاوز حدود المهنة لتتحول إلى رمز. فهي تمثل نموذجًا ناصعًا لنجاح المهاجرين العرب في فرنسا بفضل العمل الجاد والموهبة الصادقة. الصحف الفرنسية الكبرى احتفت بفوزه، وكتبت صحيفة “لو باريزيان” أن “انتصار خضر ليس مجرد تتويج مهني، بل رسالة رمزية لفرنسا المتنوعة التي تحتفي بالكفاءة لا بالأصل”. أما في تونس، فقد غمرت مواقع التواصل الاجتماعي صوره أمام الإليزيه وهو يحمل الرغيف الذهبي، مرفقة بتعليقات تعبّر عن الفخر بـ“ابن الوطن الذي خبز المجد بيديه”.

وفي قصر الإليزيه، نُقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون إعجابه بجودة الخبز الذي أعده خضر، مشيرًا إلى أنه “يجمع بين البساطة والتميّز”، فيما قالت عمدة باريس آن هيدالغو خلال حفل التكريم إن “هذا الفوز يعكس جوهر باريس، مدينة تذيب الفوارق وتحتفي بالعمل والإبداع”. ومن المقرر أن يبدأ خضر قريبًا في تزويد القصر الرئاسي ومقر الحكومة بخبزه، إلى جانب تنظيم ورش تدريب للشباب الفرنسيين في مدارس المخابز المهنية.

وعندما سُئل رضا خضر عن شعوره وهو يقدّم خبزه للرئيس الفرنسي، قال بهدوء: «أنا مجرد خباز يحب ما يفعل. لا يهم من يأكل الخبز، المهم أن يكون سعيدًا بعد لقمة واحدة. الخبز هو جواز سفري إلى قلوب الناس». وفي نهاية حديثه، أضاف وهو ينظر إلى يديه المغبرتين بالدقيق: «هذه اليدان حملتا أكثر من ألف رغيف، واليوم تحملان فخر تونس وفرنسا معًا».

قصة رضا خضر ليست مجرد حكاية عن الخبز، بل عن الإصرار والحلم والعمل. إنها شهادة على أن النجاح لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى صبر يشبه تخمير العجين في صمت حتى ينضج. من أفران سيدي بوزيد إلى مائدة الإليزيه، يؤكد خضر أن العمل المتقن يمكن أن يعبر الحدود، وأن رغيفًا واحدًا صُنع بإخلاص يمكن أن يصبح رمزًا للتفاهم بين الشعوب.

صحيفة فرنسا بالعربي زارت الخباز التونسي رضا خضر في مخبزه الباريسي، حيث عاينت عن قرب أجواء العمل داخل الفرن الذي بات حديث فرنسا، وشاهدت بنفسها كيف يُعدّ طلبية خاصة من الخبز والكراوصون والحلويات الموجهة مباشرة إلى مائدة الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه. بين رائحة الزبدة الطازجة ودفء الأفران الحجرية، كان خضر ينساب في حركته بثقة وهدوء، وكأنه يرسم لوحات من الدقيق والذهب. خلال الزيارة، أجرت الصحيفة معه مقابلة مصورة بالفيديو، تحدّث فيها عن مشواره الطويل من أفران تونس الشعبية إلى القصر الرئاسي الفرنسي، وعن فلسفته في الخَبز التي جعلته يفوز بلقب “أفضل باغيت في فرنسا” ويصبح رسميًا خباز الرئيس.

من هنا تبدأ الحكاية التي تمزج بين الشغف والحلم، وبين قصة مهاجر عربي استطاع أن يكتب اسمه في سجل التميز الفرنسي، حيث لا يُتوج باللقب سوى من يملك صبر الحرفيين ودقة الفنانين. من أفران سيدي بوزيد إلى مائدة الإليزيه، يسرد رضا خضر قصة نجاح استثنائية تُشبه في تفاصيلها صعود العجين الذي يلين بالنار ليصير رمزًا للدفء والكرامة.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نكهة الوطن في قلب فرنسا : نورة الزكراوي تحوّل طبق الحلزون المغربي إلى مشروع يربط الجاليات العربية

في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة