تتصدر مسألة التمييز ضد العرب والمسلمين واجهة الجدل السياسي والاجتماعي من جديد في فرنسا، بعد أن أكدت متخصصون من الجالية العربية لصحيفة “فرنسا بالعربي” الصادرة من باريس ما يعيشه أفرادها يوميًا: صعوبة في الوصول إلى الوظائف والسكن مقارنة بنظرائهم من الفرنسيين الأصليين.
فجوة صارخة في التوظيف
بحسب شهادات مباشرة نقلتها الصحيفة، فإن أصحاب السير الذاتية الحاملة لأسماء عربية أو مغاربية يحصلون على فرص أقل بكثير لإجراء مقابلات عمل. أشارت عدة مصادر إلى أن المرشحين من خلفية عربية تقل فرصهم بنسبة كبيرة في تلقي رد إيجابي من الشركات، حتى وإن كانت مؤهلاتهم العلمية والمهنية مماثلة أو تفوق أحيانًا منافسيهم.
وتصف هذه الظاهرة بـ”العنصرية المقنّعة”، حيث يصبح الاسم أو الخلفية الثقافية حاجزًا غير معلن أمام التقدم والاندماج.
السكن… جدار آخر من التمييز
ولم يقتصر الأمر على الوظائف، بل انسحب أيضًا على سوق الإيجارات. فقد أكد بعض المتحدثين للصحيفة أن الأشخاص من أصول عربية يجدون صعوبات مضاعفة في الحصول على شقة أو منزل للإيجار. وفي حالات كثيرة، تُرفض طلباتهم دون مبرر قانوني واضح، بينما تُقبل طلبات أخرى مماثلة لمتقدمين فرنسيين أو من خلفيات أوروبية.
توضح هذه الممارسات أن أصحاب الأسماء العربية أقل حظًا بنسبة تقارب 25% من غيرهم في تلقي عرض لمقابلة مع أصحاب العقارات، وهو ما اعتبره ناشطون “تمييزًا صارخًا يقوّض مبدأ المساواة في الفرص”.
شهادات حية
نقلت “فرنسا بالعربي” عن نادية، شابة فرنسية من أصل جزائري، قولها: “أرسلتُ أكثر من عشرين ملفًا للحصول على سكن، ولم أتلق ردًا واحدًا إلا عندما استخدمت اسم صديقتي الفرنسية لتقديم الطلب. فجأة، انهالت الردود الإيجابية. عندها أدركت أن المشكلة لم تكن في ملفي بل في اسمي”.
أما كريم، شاب تونسي الأصل حاصل على شهادة ماجستير في الاقتصاد، فقال للصحيفة: “كل شيء كان يسير على ما يرام حتى مرحلة المقابلة الشفوية، ثم يتوقف فجأة. أشعر أن اسمي يكفي ليغلق الأبواب في وجهي”، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات اليومية تثقل كاهل الشباب العربي.
انعكاسات اجتماعية خطيرة
يرى خبراء اجتماع نقلتهم “فرنسا بالعربي” أن هذه الممارسات تترك آثارًا مزدوجة: أولًا، شعور الجالية بالتهميش وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة، وثانيًا، تعميق الانقسام داخل المجتمع الفرنسي.
وحذر الباحثون من أن استمرار هذه التفرقة قد يدفع الشباب العربي إلى الانسحاب من المشاركة الاقتصادية والسياسية أو الانجراف نحو ردود فعل احتجاجية قد تهدد السلم الاجتماعي.
الموقف الرسمي
رغم أن الدستور الفرنسي يجرّم التمييز، ورغم وجود قوانين صارمة ضد العنصرية في سوق العمل والإسكان، إلا أن الواقع مختلف تمامًا، بحسب ما نقلته الصحيفة عن ناشطين وجمعيات حقوقية، حيث يصفون ردود السلطات بأنها شكلية وغير كافية. ويطالبون بآليات رقابة ومساءلة أكثر صرامة، إلى جانب حملات توعية تستهدف أصحاب الشركات وأرباب العقارات.
بين الاندماج والرفض
الجالية العربية، التي تشكل أحد أكبر مكونات المجتمع الفرنسي، تعيش حالة من المفارقة: فهي جزء لا يتجزأ من الهوية الفرنسية الحديثة، لكنها تعاني من معوقات تجعلها دائمًا في موقع “المتهم أو المستبعد”. ومع تصاعد النقاش حول قوانين الهجرة والهوية الوطنية، يبرز ملف التمييز في العمل والسكن كأحد أبرز التحديات التي تواجه فرنسا في السنوات المقبلة.