اتفاقية الهجرة الجزائرية الفرنسية…الجزائريون في فرنسا يروون صدمتهم بعد القرار البرلماني المفاجئ

اتفاقية الهجرة الجزائرية الفرنسية…الجزائريون في فرنسا يروون صدمتهم بعد القرار البرلماني المفاجئ

أثار تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية، الغرفة الأولى في البرلمان، على قرار تعليق اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968 بين فرنسا والجزائر عاصفة من الجدل والقلق داخل أوساط الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، التي تعد الأكبر عددًا بين الجاليات الأجنبية في البلاد، فقد جاء القرار ليهز أسس علاقة تاريخية امتدت لأكثر من خمسة عقود، وفّر خلالها الإطار القانوني المنظم لوضع مئات الآلاف من المهاجرين الجزائريين، ومنحهم امتيازات قانونية واجتماعية خاصة لا يتمتع بها مهاجرو الدول الأخرى، في ما اعتُبر حينها تعويضًا غير مباشر عن مرحلة الاستعمار وما خلفته من ندوب إنسانية واقتصادية.

ويُعدّ هذا القرار سابقة سياسية ذات دلالات رمزية عميقة، إذ إنه يأتي في سياق تصاعد الخطاب اليميني في فرنسا، وضغوط متنامية داخل البرلمان لمراجعة كافة الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالهجرة، فالاتفاقية الموقعة في ديسمبر 1968 كانت تمنح المواطنين الجزائريين تسهيلات في الإقامة والعمل ولمّ الشمل الأسري، ما جعلها لعقود أحد ركائز العلاقات الفرنسية  الجزائرية.

غير أن تصويت البرلمان على تعليقها اليوم يضع الجالية الجزائرية أمام واقع جديد، عنوانه القلق من المجهول والخوف من فقدان الامتيازات التاريخية التي شكلت ضمانة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لأجيال كاملة من الجزائريين في فرنسا.

في تصريحات خاصة لصحيفة فرنسا بالعربي، عبّر عدد من أبناء الجالية الجزائرية عن مشاعر الغضب والاستياء مما وصفوه بـ”النكسة التاريخية”، معتبرين أن القرار يشكل “نكوصًا عن التزامات إنسانية وأخلاقية” تربط فرنسا بالجزائر منذ الاستقلال.

تقول فاطمة الزهراء، وهي ممرضة جزائرية تعمل في إحدى ضواحي باريس منذ عشرين عامًا، إن الخبر وقع عليها “كالصاعقة”، موضحة: “هذه الاتفاقية كانت بالنسبة لنا أكثر من مجرد نص قانوني، كانت تمثل اعترافًا بمكانتنا وبتاريخنا المشترك مع فرنسا. اليوم نشعر بأننا أصبحنا فجأة أجانب من درجة ثانية في بلد ساهمنا في بنائه.”

وفي مدينة مارسيليا، التي تُعد من أبرز معاقل الجالية الجزائرية في الجنوب الفرنسي، وصف الشاب سمير، وهو من الجيل الثالث من المهاجرين، قرار البرلمان بأنه “طعنة في الظهر”، مضيفًا أن تعليق الاتفاقية “لن يمس فقط بالإجراءات الإدارية أو تصاريح الإقامة، بل سيفتح الباب أمام موجة جديدة من التمييز القانوني ضد الجزائريين.” وأوضح أن الحديث عن “مراجعة الحقوق” قد يعني عمليًا فقدان كثيرين لوضعياتهم المستقرة، سواء في سوق العمل أو في برامج السكن والخدمات الاجتماعية التي يستفيدون منها منذ عقود.

على المستوى السياسي، يرى مراقبون أن هذا التصويت لم يكن مجرد إجراء إداري بل رسالة سياسية مزدوجة. فمن جهة، يعكس رغبة بعض الأطراف داخل البرلمان الفرنسي في إعادة التوازن بين مختلف فئات المهاجرين وتوحيد شروط الإقامة بغض النظر عن الجنسية.

ومن جهة أخرى، يعبر عن تراجع الثقة السياسية بين باريس والجزائر، خاصة في ظل التوترات الأخيرة التي شابت العلاقات الثنائية على خلفية قضايا الذاكرة، والتأشيرات، والتعاون الأمني في منطقة الساحل.

ويعتقد محللون تحدثوا لـفرنسا بالعربي أن القرار الفرنسي قد يؤدي إلى “موجة برود دبلوماسي جديدة” بين البلدين، وربما يدفع السلطات الجزائرية إلى الرد دبلوماسيًا أو قانونيًا دفاعًا عن مواطنيها في فرنسا.

أما داخل أوساط الجالية، فيتزايد الشعور بأن تعليق الاتفاقية يمثل مساسًا مباشراً بالحقوق المكتسبة منذ أكثر من نصف قرن، فالاتفاقية كانت تتيح للجزائريين تجديد إقاماتهم بسهولة نسبية مقارنة بباقي المهاجرين، وتمنحهم امتيازات في لمّ الشمل الأسري، إلى جانب وضع خاص في قانون العمل الفرنسي.

وقد أشار عدد من الحقوقيين إلى أن القرار الجديد سيفتح الباب أمام تطبيق صارم لقوانين الهجرة العامة على الجزائريين، ما يعني تضييقًا على فرص العمل، وتشديدًا في منح الإقامات الدائمة، وربما ارتفاعًا في عدد قرارات الترحيل أو رفض التجديد.

في المقابل، حاول بعض النواب الفرنسيين تبرير القرار بأنه “إجراء تقني مؤقت” يرمي إلى تحديث الإطار القانوني للهجرة وليس استهدافًا للجالية الجزائرية، مؤكدين أن الحكومة ستسعى إلى وضع “اتفاق جديد أكثر توازنًا” يراعي التطورات الديموغرافية والاقتصادية في كلا البلدين.

غير أن هذا التبرير لم يقنع معظم أبناء الجالية الذين يرون في الخطوة انعكاسًا لتنامي التيارات الشعبوية واليمينية التي تستخدم ملف الهجرة كورقة انتخابية.

ويختم محمد بن حمو، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، في حديثه للصحيفة، بالقول إن “تعليق اتفاقية 1968 قد لا يكون نهاية الامتيازات القانونية فقط، بل بداية مرحلة جديدة في علاقة فرنسا بمواطنيها من أصول مغاربية”.

ويضيف: “الأخطر من القرار نفسه هو الرسالة الرمزية التي يبعث بها إلى المهاجرين الجزائريين، مفادها أن صفحة التاريخ الطويل الذي جمع البلدين لم تعد محصّنة من الحسابات السياسية الآنية.”

وهكذا، يجد مئات الآلاف من الجزائريين في فرنسا أنفسهم أمام مفترق طرق، بين التمسك بهويتهم المزدوجة التي صاغتها عقود من العيش المشترك، وبين الخشية من واقع إداري واجتماعي جديد قد يعيدهم إلى الهامش بعد أن ظنّوا أنهم أصبحوا جزءًا من النسيج الفرنسي.

وبين جدل البرلمان وردود الشارع، يظل سؤال المستقبل مفتوحًا: هل سيقود القرار إلى إعادة تفاوض عادلة تعيد الثقة بين باريس والجزائر؟ أم أنه سيكون الشرارة التي تعمّق الجفاء بين دولتين وجاليتين جمعت بينهما قرون من التاريخ والدم والمصير المشترك؟

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نكهة الوطن في قلب فرنسا : نورة الزكراوي تحوّل طبق الحلزون المغربي إلى مشروع يربط الجاليات العربية

في ضاحية بوندي القريبة من باريس، تفتح الشابة