علمت صحيفة فرنسا بالعربي من مصادر رسمية داخل وزارة الداخلية في باريس أن نشرة داخلية جرى تعميمها على محافظات الأمن في عموم فرنسا، تطلب منهم الاستعداد لاحتمال صدور قرار من الرئيس إيمانويل ماكرون بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة يومي 16 و23 نوفمبر 2025.
وبحسب المصادر نفسها، فقد استقبل الرئيس ماكرون، يوم الثلاثاء بعد الظهر، رئيسة الجمعية الوطنية يايل براون-بيفيه ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشير، كل على حدة، في خطوة تكتسب أهمية دستورية كبرى، إذ ينص المادة 12 من الدستور الفرنسي على وجوب استشارة رؤساء المجلسين قبل أي حل محتمل للجمعية الوطنية.
في الوقت نفسه، تستمر التحركات الداخلية للأحزاب المعارضة في تصعيد الضغط على الرئيس، حيث أعلن إدوار فيليب، الرئيس السابق للحكومة، دعوته إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما اعتبره زعيم حزب فرنسا الثائرة جان لوك ميلانشون خطوة تقرب حزبه من هدفه المتمثل في رحيل الرئيس ماكرون.
وقال ميلانشون في تصريحات خاصة لوكالة فرانس برس إن “هدفنا هو الرئيس، والآن نحن نقترب من ما وضعناه نصب أعيننا، أي رحيله”. وأضاف أن “كل طرف في المشهد السياسي يلعب وفق مساره الخاص، وارتفاع التوترات السياسية يضع الرئيس في موقف صعب مع مرور الوقت”.
كما أودع النواب المنتمون إلى فرنسا الثائرة، بالإضافة إلى بعض النواب البيئيين والشيوعيين، يوم الثلاثاء، مشروع قرار لعزل الرئيس أمام الجمعية الوطنية، ومن المقرر أن يدرس المكتب المسير للجمعية هذا المشروع صباح الأربعاء، في خطوة وصفها ميلانشون بأنها “حدث سياسي بالغ الأهمية”. ويقول: “ما كان مجرد احتمال أصبح الآن حقيقة سياسية، ونحن بدأنا في تطبيع فكرة عزل الرئيس”.
على صعيد آخر، يرى خبراء اقتصاديون أن استمرار هذه الأزمة يفاقم الضغوط على المالية العامة الفرنسية، فقد قدرت منظمة الدراسات الاقتصادية أن الأزمة السياسية، التي بدأت منذ يونيو 2024، ستكلف فرنسا نحو نصف نقطة نمو بحلول نهاية 2025، أي ما يعادل 15 مليار يورو.
وأوضح إريك هير، الاقتصادي في نفس المنظمة، أن “في أوقات عدم اليقين، الشركات تجمد استثماراتها وتوظيفها، بينما يزيد الإدخار لدى الأسر”.
ويشير التقرير إلى أن حل الجمعية الوطنية وحده تسبب في فقدان 2.9 مليار يورو من الإيرادات الضريبية وزيادة نحو مليار يورو في تكاليف خدمة الدين، وفق تقديرات خبراء أليانز تريد.
في المقابل، دعا الوزير السابق للاقتصاد والمالية إريك لومبارد إلى “حوار صادق” لتجاوز الجمود وتمرير ميزانية 2026، مؤكداً في رسالة وداعية لموظفي وزارة الاقتصاد أن الحوار، بعيدًا عن “المواقف الشخصية والسياسية”، يمكن أن يتيح تمرير الميزانية، كما حدث مع ميزانية 2025.
وأشار إلى أن التعاون مع القوى السياسية هو السبيل الوحيد لتجاوز المأزق الراهن.
كما أكدت مصادرنا أن الحزب الاشتراكي الفرنسي، بقيادة أوليفييه فور، سيستجيب لدعوة الوزير المستقيل سيباستيان ليكورنو للاجتماع يوم الأربعاء عند الساعة 10 صباحًا في مقر رئاسة الحكومة، في إطار المساعي الأخيرة لتشكيل تسوية سياسية قبل أي تحرك دستوري كبير.
وأوضح فور أن “جميع القوى اليسارية باستثناء حزب فرنسا الثائرة وافقت على الحضور، وأن الوقت قد حان لاحترام إرادة الفرنسيين في هذه المرحلة الحرجة”.
بين الاحتمالات الدستورية، والتحركات المعارضة، والضغوط الاقتصادية، يبدو المشهد السياسي الفرنسي على شفا لحظة حاسمة، تضع رئيس الجمهورية وأحزاب المعارضة على حد السيف، فيما تترقب البلاد انتخابات تشريعية مبكرة قد تعيد تشكيل خارطة القوى بالكامل، بعد أزمة سياسية طويلة أثقلت كاهل الاقتصاد وأثارت مخاوف واسعة داخل المجتمع الفرنسي.
