بعد مرور ستة عشر عامًا على واحدة من أبشع الكوارث الجوية في التاريخ الحديث، عادت مأساة الرحلة AF447 لتتصدر واجهة الأحداث القضائية والسياسية في فرنسا. محكمة الاستئناف بباريس افتتحت، الاثنين 29 سبتمبر، محاكمة جديدة لشركتي إير فرانس وإيرباص، المتهمتين في قضية مقتل 228 شخصًا قضوا في البحر الأطلسي ليل الأول من يونيو 2009، عندما سقطت طائرة إيرباص A330 المتجهة من ريو دي جانيرو إلى باريس.
⚖️ تبرئة سابقة… وغضب لم يخمد
في أبريل 2023، كانت محكمة فرنسية قد برأت “إير فرانس” و”إيرباص” من تهمة “القتل غير العمد”، بعد محاكمة علنية وصفت بـ”التاريخية”. لكن القرار فجّر غضب عائلات الضحايا الذين اعتبروا أن العدالة خذلتهم. واليوم، يعود الملف إلى ساحة القضاء من جديد، وسط آمال متجددة بأن تكشف هذه الجولة الحقيقة كاملة وتحمّل المسؤوليات.
🕯️ صرخة العائلات: “نريد الحقيقة”
فيليب لانغيه، نائب رئيس جمعية “التضامن والمساعدة” التي تمثل الضحايا، فقد شقيقه في الحادث. أمام عدسات الصحافة، قال بصوت متهدج:
“هدفنا بسيط: أن نعرف الحقيقة. ماذا جرى في قمرة القيادة تلك الليلة؟ وإذا كان هناك مسؤولون، فليُدانوا. المتهمان واضحان: إير فرانس وإيرباص.”
وأضاف متحديًا:
“لا نعلم إن كان القضاء سيتجرأ على إدانة شركتين عملاقتين مثل إير فرانس وإيرباص. نأمل ذلك، لكننا لسنا واثقين.”
ورغم أن كثيرًا من العائلات “طوت الصفحة” بعد سنوات طويلة من الانتظار، فإن آخرين يواصلون معركتهم حتى النهاية. لانغيه شدّد:
“هذه معركة حياتنا، من أجل تحسين سلامة الطيران، ومن أجل أمانكم وأمان أطفالكم كلما صعدتم على متن طائرة.”
✈️ تحقيقات طويلة وحقائق صادمة
بعد سنتين من البحث المضني في أعماق المحيط، تمكن المحققون الفرنسيون من العثور على الصندوقين الأسودين. النتائج كانت صادمة:
-
عطوبة أجهزة قياس السرعة (مجسات بيتو) التي تجمدت بسبب الجليد.
-
ارتباك الطيارين وتعاملهم غير السليم مع فقدان البيانات.
-
دخول الطائرة في سقوط حر لم يتمكن الطاقم من معالجته.
لكن التقرير القضائي في المحاكمة السابقة أشار إلى أن إيرباص تأخرت في معالجة مشكلة المجسات، وأن إير فرانس قصّرت في تدريب طياريها. ومع ذلك، لم تعتبر المحكمة حينها أن هذه الأخطاء تشكل علاقة سببية مباشرة بالكارثة.
🔍 محاكمة جديدة… نفس الأسئلة المؤرقة
المحاكمة الحالية يُتوقع أن تمتد لشهرين، حيث سيحاول محامو عائلات الضحايا إقناع القضاة بوجود رابط مباشر بين إهمال الشركتين وسقوط الطائرة.
المدّعون يؤكدون أن:
-
إيرباص تجاهلت تزايد الأعطال المرتبطة بمجسات السرعة.
-
إير فرانس لم تؤمّن التدريب الكافي لطياريها على التعامل مع هذه الحالات.
من جانبهما، لا تزال الشركتان تنفيان أي مسؤولية جنائية، متمسكتين بأن ما جرى كان “حادثًا مأساويًا غير متوقع”.
💰 غرامة رمزية… لكن محاكمة تاريخية
حتى في حال الإدانة، فإن العقوبة القصوى على الشركات في تهمة “القتل غير العمد” لا تتعدى 225 ألف يورو، وهو مبلغ رمزي أمام حجم الكارثة. لكن العائلات ترى في المحاكمة الجديدة أكثر من مجرد قضية تعويضات: إنها معركة من أجل الحقيقة، ورد اعتبار لضحايا الرحلة التي تحولت إلى رمز لأكبر مأساة جوية في تاريخ فرنسا الحديث.
🌊 إرث كارثة لا يُمحى
حادث الرحلة AF447 دفع صناعة الطيران إلى مراجعة الكثير من إجراءاتها التقنية والتدريبية. لكن الانقسام ما يزال قائمًا بين عملاقي فرنسا، “إيرباص” و”إير فرانس”، حول من يتحمل المسؤولية الكبرى.
واليوم، ومع انطلاق هذه المحاكمة، يعود السؤال الذي لم يجد جوابًا شافيًا بعد:
هل ستجرؤ العدالة الفرنسية على إدانة رمزين من رموز الصناعة الوطنية، أم ستبقى الحقيقة غارقة في أعماق الأطلسي؟