أعادت محكمة الاستئناف في باريس، النظر في قضية عبد الرحمن رضوان، رئيس مسجد الفاروق في بيساك، والذي يُلاحق قضائياً بتهمة الترويج للإرهاب عبر منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتأتي هذه الجلسة بعد أن قضت محكمة ميو الابتدائية في مارس الماضي بحبس رضوان أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، ومنعه من التواجد على الأراضي الفرنسية لمدة عامين، بالإضافة إلى تسجيله في سجل مرتكبي الجرائم الإرهابية .
وقد طالب ممثل النيابة العامة خلال جلسة الاستئناف بتأكيد هذه العقوبة، مؤكدًا خطورة ما اعتبرته النيابة تحريضاً على الإرهاب، رغم أن الحكم الابتدائي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والسياسية.
وتعود تفاصيل القضية إلى منشور نشره رضوان على حسابه في فيسبوك في ذكرى إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس السياسي الذي قُتل في ضربة جوية إسرائيلية صيف 2024.
وكتب رضوان في منشوره : «أحيي الكفاح النبيل حتى الشهادة، دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني»، وهو ما اعتبرته السلطات الفرنسية تحريضاً على الإرهاب، على الرغم من أن المنشور لم يدعو صراحةً إلى أعمال عنف أو هجمات محددة.
وأكدت النيابة العامة أن مثل هذه العبارات قد تشكل تهديداً على الأمن العام، وأن فرنسا ملزمة بملاحقة أي دعوات يمكن أن تساهم في نشر الإرهاب أو التحريض عليه.
وخلال جلسة الاستئناف، صرح رضوان للصحفيين: «عشت الجلسة بهدوء واطمئنان، فأنا لم أرتكب أي فعل إرهابي، ولم أحرض أحداً على العنف، ولم يكن لدي نية لذلك، ما نشرته كان مجرد تعبير عن تضامني السياسي والإنساني مع الشعب الفلسطيني، وليس دعوة لأعمال إرهابية».
وأضاف: «محاميي أثبتوا بوضوح أن منشوراتي كانت ضمن حرية التعبير، وأنا واثق من أن العدالة ستأخذ مجراها».
وقد قدم محاموه، لوسي سيمون ورافيك شيكات، مرافعات مطولة أمام المحكمة، مشيرين إلى أن القضية تتعلق بتعبير سياسي، وأن تفسير هذه المنشورات كتحريض على الإرهاب يمثل تضييقاً غير مبرر على حرية التعبير في فرنسا.
وقالت لوسي سيمون: «الحكم الابتدائي لم يأخذ بعين الاعتبار السياق الكامل للمنشورات، فهي تعكس رأياً سياسياً حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس تحريضاً على الإرهاب وفق القانون الفرنسي».
وأكدت أن الضمانات القانونية لم تُراعَ بشكل كامل، وأن تطبيق هذا النوع من العقوبات على التعبير السياسي قد يشكل سابقة خطيرة تحد من حرية التعبير على الإنترنت.
ومن جهته، أوضح أحد المحامين أن القضية تعكس التحديات القانونية التي تواجه فرنسا في التوفيق بين حماية الأمن القومي وحقوق التعبير الفردية.
وأضاف: «بينما من حق الدولة حماية مواطنيها من التحريض على العنف، يجب ألا يتحول التعبير السياسي أو التضامن مع قضايا إنسانية دولية إلى جريمة، هناك خط رفيع بين التحريض الحقيقي على الإرهاب وبين التعبير عن موقف سياسي أو ديني».
وتشير مصادر قضائية إلى أن التحقيقات شملت مراجعة كافة منشورات رضوان خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك تغريداته وتعليقات على حسابات أخرى تتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأظهرت هذه المراجعة أن معظم منشوراته كانت تعبيراً عن تضامن سياسي وإنساني، وأن أي إساءة تفسير لها قد يؤدي إلى محاكمة قد تثير جدلاً واسعاً حول حدود حرية التعبير.
ويتابع العديد من المراقبين القضية عن كثب، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان في فرنسا وخارجها، والتي أعربت عن قلقها من أن تفسير السلطات للمنشورات قد يؤدي إلى تقييد حرية التعبير الديني والسياسي على منصات التواصل الاجتماعي.
ويرى خبراء القانون أن هذه القضية قد تشكل سابقة قضائية مهمة في فرنسا، خصوصاً فيما يتعلق بالتمييز بين التعبير السياسي والتحريض على الإرهاب، وقد يكون لها تأثير طويل المدى على سياسات الرقابة على الإنترنت والملاحقة القانونية للمنشورات الرقمية.
يذكر أن محكمة الاستئناف قد خصصت عدة جلسات للنظر في مرافعات الدفاع والنيابة، وتم الاستماع إلى شهادات عدد من الخبراء في القانون الدولي وحرية التعبير، بالإضافة إلى استعراض منشورات ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشتبه به. وتشير التوقعات إلى أن حكم المحكمة سيكون حاسماً في رسم معالم الحدود بين حرية التعبير والملاحقة القانونية في فرنسا.
ومن المقرر أن تصدر محكمة الاستئناف حكمها النهائي في هذه القضية يوم 21 أكتوبر المقبل، وسط توقعات بأن تحظى الجلسة بمتابعة واسعة من الإعلام والمجتمع المدني، نظراً لأهمية القضية وما تمثله من اختبار للحدود القانونية لحرية التعبير والدفاع عن الرأي السياسي والديني في ظل قوانين مكافحة الإرهاب الصارمة في فرنسا.