في أول تصريحات لافتة منذ تعيينه رئيسًا للوزراء، أعلن سيباستيان لوكورنو، عزمه على خفض عجز الموازنة الفرنسية إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، والوصول إلى نسبة 3% فقط بحلول عام 2029، في خطوة وصفها محللون بأنها “اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على الموازنة بين الإصلاح الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي”.
لوكورنو أوضح في مقابلة مع صحيفة لو باريزيان أن الحكومة لن تعود إلى فرض ضريبة الثروة التي ألغيت عام 2018، رغم الضغوط السياسية المتزايدة من المعارضة اليسارية، التي تعتبر إعادة هذه الضريبة شرطًا أساسيًا لتحقيق “عدالة اجتماعية” في توزيع الأعباء المالية. وأضاف قائلاً: “يجب أن تكون هناك تغييرات في كيفية تقاسم العبء الضريبي، لكننا لن نعيد ضريبة الثروة”، من دون أن يكشف عن تفاصيل إضافية حول الخطوات البديلة.
تحذير من عجز خطير محتمل
وفي لهجة تجمع بين الواقعية والتحذير، أشار لوكورنو إلى أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الموازنة قبل نهاية العام الجاري، فقد يصل العجز إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى قد يهدد مصداقية المالية العامة الفرنسية داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، حاول طمأنة الأسواق المالية بقوله: “صحيح أن الوضع دقيق، لكن صندوق النقد الدولي ليس على أبواب فرنسا”، في إشارة إلى أن باريس لا تزال بعيدة عن الدخول في أزمة ديون كتلك التي شهدتها بعض الدول الأوروبية في العقد الماضي.
ردود فعل متباينة
تصريحات لوكورنو جاءت لتفتح جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية:
-
أحزاب اليسار سارعت لانتقاد رفض الحكومة إعادة ضريبة الثروة، معتبرة أن “العبء سيتحمّله الطبقة المتوسطة والطبقات العاملة مرة أخرى”، بحسب ما قال النائب الاشتراكي أوليفييه فور.
-
أما اليمين المعارض، فعبّر عن مخاوفه من أن تؤدي خطط التقشف إلى تقويض النمو الاقتصادي، خاصة في ظل تباطؤ الاقتصاد الفرنسي وانكماش الاستثمارات.
-
في المقابل، اعتبر بعض الاقتصاديين أن تحديد أهداف زمنية لخفض العجز يعدّ رسالة إيجابية للأسواق الأوروبية، لكنه يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة تشمل تقليص النفقات العامة وزيادة كفاءة النظام الضريبي.
التحديات أمام الحكومة الجديدة
الحكومة الفرنسية تواجه اليوم تحديًا مزدوجًا:
-
الضغوط الداخلية: مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية، لا سيما من النقابات التي ترفض أي خفض في الإنفاق على الخدمات العامة أو التقاعد.
-
الضغوط الأوروبية: إذ يتعين على باريس الالتزام بمعايير العجز التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، والتي تحدد سقف العجز عند 3% من الناتج المحلي.
ويشير مراقبون إلى أن لوكورنو يسعى من خلال هذه التصريحات إلى كسب ثقة الشركاء الأوروبيين من جهة، وتوجيه رسالة إلى الداخل الفرنسي مفادها أن الحكومة لن تلجأ إلى إجراءات “شعبوية” مثل إعادة ضريبة الثروة، لكنها ستبحث عن صيغ جديدة لتوزيع العبء الضريبي بشكل أكثر إنصافًا.
خلفية سياسية واقتصادية
تأتي هذه التصريحات في لحظة حساسة لفرنسا، إذ تواجه البلاد تباطؤًا في النمو، وارتفاعًا في مستويات الدين العام التي تجاوزت 110% من الناتج المحلي، ما يثير مخاوف الأسواق العالمية. كما أن قرار استبعاد ضريبة الثروة يعكس استمرار النهج الاقتصادي الذي اعتمده الرئيس إيمانويل ماكرون منذ توليه السلطة عام 2017، رغم الجدل الكبير الذي أثاره هذا الخيار سياسيًا واجتماعيًا.
في ختام حديثه، بدا لوكورنو مدركًا لحجم التحديات المقبلة، إذ شدد على أن حكومته “ستعمل على إعادة التوازن المالي خطوة بخطوة، من دون المجازفة بتقويض النمو أو زعزعة الاستقرار الاجتماعي”، وهو ما يضع حكومته تحت اختبار صعب في الأشهر المقبلة.
📊 خلاصة: فرنسا تدخل مرحلة مالية حرجة، بين ضرورة خفض العجز وإقناع الأسواق بجدية الإصلاح، وبين الضغوط الاجتماعية والسياسية الرافضة لأي “تقشف غير عادل”. تصريحات لوكورنو قد تكون بداية معركة سياسية حامية في البرلمان والشارع الفرنسي على حد سواء.